الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في قوله :( والذين ) احتمالات ثلاثة ؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد بقوله :( الذين ) أولئك الأحبار والرهبان ، ويحتمل أن يكون المراد كلاما مبتدأ على ما قال بعضهم : المراد منه مانعو الزكاة من المسلمين ، ويحتمل أن يكون المراد منه كل من كنز المال ولم يخرج منه الحقوق الواجبة ، سواء كان من الأحبار والرهبان أو كان من المسلمين ، فلا شك أن اللفظ محتمل لكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة ، وروي عن زيد بن وهب قال : مررت بأبي ذر فقلت : يا أبا ذر ما أنزلك هذه البلاد ؟ فقال : كنت بالشام فقرأت :( والذين يكنزون الذهب والفضة ) . فقال معاوية : هذه الآية نزلت في أهل الكتاب فقلت : إنها فيهم وفينا ، فصار ذلك سببا للوحشة بيني وبينه ، فكتب إلي عثمان أن أقبل إلي ، فلما قدمت المدينة انحرف الناس عني ، كأنهم لم يروني من قبل ، فشكوت ذلك إلى عثمان فقال لي : تنح قريبا إني والله لن أدع ما كنت أقول ، وعن الأحنف قال : لما قدمت المدينة رأيت أبا ذر يقول : بشر الكافرين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فتوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى تخرج من نغض كتفه حتى يرفض بدنه ، وتوضع على نغض كتفه حتى تخرج من حلمة ثديه ، فلما سمع القوم ذلك تركوه فاتبعته وقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم ؛ فقال : ما عسى أن يصنع في قريش .

                                                                                                                                                                                                                                            قال مولانا رضي الله عنه : إن كان المراد تخصيص هذا الوعيد بمن سبق ذكرهم وهم أهل الكتاب ، كان التقدير أنه تعالى وصفهم بالحرص الشديد على أخذ أموال الناس بقوله :( ليأكلون أموال الناس بالباطل ) ووصفهم أيضا بالبخل الشديد ، والامتناع عن إخراج الواجبات عن أموال أنفسهم بقوله :( والذين يكنزون الذهب والفضة ) وإن كان المراد مانعي الزكاة من المؤمنين ، كان التقدير أنه تعالى وصف قبح طريقتهم في الحرص على أخذ أموال الناس بالباطل ، ثم ندب المسلمين إلى إخراج الحقوق الواجبة من أموالهم ، وبين ما في تركه من الوعيد الشديد ، وإن كان المراد الكل كان التقدير أنه تعالى وصفهم بالحرص على أخذ أموال الناس بالباطل ، ثم أردفه بوعيد كل من امتنع عن إخراج الحقوق الواجبة من ماله ؛ تنبيها على أنه لما [ ص: 36 ] كان حال من أمسك مال نفسه بالباطل ، كذلك فما ظنك بحال من سعى في أخذ مال غيره بالباطل والتزوير والمكر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية