الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الكفيل بالنفس فيخرج عن الكفالة بثلاثة أشياء إحداها تسليم النفس إلى الطالب وهو التخلية بينه وبين المكفول بنفسه في موضع يقدر على إحضاره مجلس القاضي لأن التسليم في مثل هذا الموضع محصل للمقصود من العقد وهو إمكان استيفاء الحق بالمرافعة إلى القاضي فإذا حصل المقصود ينتهي حكمه فيخرج عن الكفالة .

                                                                                                                                ولو سلمه في صحراء أو برية لا يخرج لأنه لم يحصل المقصود ولو سلم في السوق أو في المصر يخرج سواء أطلق الكفالة أو قيدها بالتسليم في مجلس القاضي أما إذا أطلق فظاهر لأنه يتقيد بمكان يقدر على إحضاره مجلس القاضي بدلالة الغرض وكذا إذا قيد لأن التسليم في هذه الأمكنة تسليم في مجلس القاضي بواسطة .

                                                                                                                                ولو شرط أن يسلمه في مصر معين فسلمه في مصر آخر يخرج عن الكفالة عند أبي حنيفة وعندهما لا يخرج عنها إلا أن يسلمه في المصر المشروط .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن التقييد بالمصر مفيد لجواز أن يكون للطالب بينة يقدر على إقامتها فيه دون غيره فكان التعيين مفيدا فيتقيد به .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا أن المقصود من تسليم النفس هو الوصول إلى الحق بالمرافعة إلى القاضي وهذا الغرض ممكن الاستيفاء من كل قاض فلا يصح التعيين ولو سلمه في السواد ولا قاضي فيه لا يخرج عن الكفالة لأن التسليم في مثل هذا المكان لا يصلح وسيلة إلى المقصود فكان وجوده وعدمه بمنزلة واحدة .

                                                                                                                                ولو شرط أن يدفعه إليه عند الأمير فدفعه إليه عند القاضي يخرج عن الكفالة وكذا إذا عزل الأمير وولي غيره فدفعه إليه عند الثاني لأن التسليم عند كل من ولي ذلك محصل للمقصود فلم يكن التقييد مفيدا فلا يتقيد ولو كفل جماعة بنفس [ ص: 13 ] رجل كفالة واحدة فأحضره أحدهم برئوا جميعا وإن كانت الكفالة متفرقة لم يبرأ الباقون ( ووجه ) الفرق أن الداخل تحت الكفالة الواحدة فعل واحد وهو الإحضار .

                                                                                                                                وقد حصل ذلك بواحد والداخل تحت الكفالات المتفرقة أفعال متفرقة فلا يحصل بإحضار واحد الإبراء به فيبرأ هو دون الباقين وليس هذا كما إذا كفل جماعة بمال واحد كفالة واحدة أو متفرقة فأدى أحدهم برئ الباقون لأن الدين يسقط عن الأصيل بأداء المال فلا يبقى على الكفيل لما مر والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                ولو كفل بنفس رجل فإن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو كذا فلقي الرجل الطالب فخاصمه الطالب ولازمه فالمال على الكفيل وإن لازمه إلى آخر اليوم لأنه لم يوجد من الكفيل الموافاة به .

                                                                                                                                ولو قال الرجل للطالب قد دفعت نفسي إليك عن كفالة فلأن يبرأ الكفيل من المال سواء كانت الكفالة بالنفس بأمره أو لا لأنه أقام نفسه مقام الكفيل في التسليم عنه فيصح التسليم كمن تبرع بقضاء دين غيره أن هناك لا يجبر على القبول وهنا يجبر عليه والفرق أن انعدام الجبر على القبول في باب المال للتحرز عن لحوق المنة المطلوبة من جهة المتبرع لأن نفسه ربما لا تطاوعه بتحمل المنة فيتضرر به وهذا المعنى هنا معدوم لأن تسليم نفسه واجب عليه ولا منة في أداء الواجب سواء كانت الكفالة بالنفس بأمره أو بغير أمره لأن نفسه مضمون التسليم في الحالين والثاني الإبراء إذا أبرأ الطالب الكفيل من الكفالة بالنفس خرج عن الكفالة لأن حكم الكفالة بالنفس حق المطالبة بتسليم النفس .

                                                                                                                                وقد أسقط المطالبة عنه بالإبراء فينتهي الحق ضرورة ولا يكون هذا الإبراء للأصيل لأنه أسقط المطالبة عنه دون الأصيل .

                                                                                                                                ولو أبرأ الأصيل برئا جميعا لأن الكفالة بمضمون على الأصيل وقد بطل الضمان بالإبراء فينتهي حكم الكفالة والثالث موت المكفول بنفسه لأن الكفالة بمضمون على الأصيل وقد سقط الضمان عنه فيسقط عن الكفيل والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية