الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          خطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال ، وعنه : على عاقلته ، وهل يتعاقل أهل الذمة ؛ على روايتين . ولا يعقل ذمي عن حربي ، ولا حربي عن ذمي . ومن لا عاقلة له ، أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع ، فالدية ، أو باقيها عليه إن كان ذميا ، وإن كان مسلما أخذ من بيت المال ، فإن لم يمكن فلا شيء على القاتل ، ويحتمل أن تجب في مال القاتل ، وهو أولى ، كما قالوا في المرتد : يجب أرش خطئه في ماله ، ولو رمى وهو مسلم ، فلم يصب السهم حتى ارتد ، كان عليه في ماله ، ولو رمى الكافر سهما ، ثم أسلم ، ثم قتل السهم إنسانا ، فديته في ماله ، ولو جنى ابن المعتقة ، ثم انجر ولاؤه ، ثم سرت جنايته ، فأرش الجناية في ماله ، لتعذر حمل العاقلة ، فكذا هذا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال ) قدمه في الرعاية والفروع ، لأن خطأه يكثر فيجحف بهم ، ولأنه نائب عن الله ، فكان أرش جنايته في مال الله ، وكخطأ وكيل ، وعليها للإمام عزل نفسه ، ذكره القاضي وغيره ( وعنه : على عاقلته ) أي : على عاقلتهما ، قدمه السامري لقول علي لعمر : ديته عليك ، لأنك أفزعتها ، ولأنه جان . فكان خطؤه على العاقلة كغيره ، وكخطئهما في غير حكم ، وكذا الخلاف إن زاد سوطا كخطأ في حد أو تعزير ، أو جهلا حملا ، أو بان من حكم بشهادته غير أهل ( وهل يتعاقل أهل الذمة ؛ على روايتين ) الأصح أنهم يتعاقلون ، لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل ، ولأنهم من أهل النصرة كالمسلمين ، والثانية : لا ، لأن حمل العاقلة يثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين ، فلا يقاس عليهم غيرهم ، لعدم المساواة في الحرمة ، فإن اختلفت الملة كاليهود والنصارى فوجهان ، وفي الترغيب روايتان بناء على توريثهم وعدمه ( ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي ) لعدم التوارث ، وكمسلم وكافر ، وقيل : بلى ، إن توارثا ، وقال ابن حمدان : يعقل المعاهد إن بقي عهده إلى أصل الواجب ، وإلا فلا .

                                                                                                                          تذنيب : المرتد لا يعقل عنه ، لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ، ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة ، فتكون جنايته في ماله ، وفيه وجه ( ومن لا عاقلة له [ ص: 19 ] أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع ، فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا ) جزم به في الوجيز ، لأن بيت المال لا يعقل عنه ، وكمن رمى سهما ثم أسلم أو كفر قبل إصابته في الأصح ، وقدم في المحرر أنه يكون في بيت المال كمسلم ، ولم يرجح في الفروع شيئا ( وإن كان مسلما أخذ من بيت المال ) على الأصح ، لأن المسلمين يرثون من لا وارث له ، فيعقلون عنه عند عدم عاقلته كعصباته ، والثانية : لا يحمل العقل بحال ، رجحها في المغني والشرح ، لأن بيت المال فيه حق للصبيان والنساء والمجانين ومن لا عقل عليه ، فلا يجوز صرفه فيما لا يجب عليهم ، فعلى الأول تكون حالة تؤخذ دفعة واحدة ، لأنه عليه السلام أدى دية الأنصاري دفعة واحدة ، وكذا عمر ، ولأن الدية بدل متلف ، وإنما أجل على العاقلة تخفيفا ، ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال ، وقيل : تؤخذ في ثلاث سنين كالعاقلة ( فإن لم يمكن ) أي : إذا تعذر سقطت ، نقله الجماعة ، وهو المراد بقوله ( فلا شيء على القاتل ) لأن الدية لزمت العاقلة ابتداء ، بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ، ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها ، فلا تجب على غير من وجبت عليه ، كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد ( ويحتمل أن تجب في مال القاتل ) لعموم قوله تعالى : ودية مسلمة إلى أهله [ النساء : 90 ] ولأن مقتضى الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته ، وإنما سقط عنه لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل ، فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ، ولأن الأمر تردد بين إبطال دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف ، ولا يجوز الأول لمخالفة الكتاب والسنة وأصول الشريعة ، فتعين الثاني ، ولأن إهدار الدم [ ص: 20 ] المضمون لا نظير له وإيجاب الدية على قاتل الخطأ له نظائر ( وهو أولى ) من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال ، فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ، ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال ، فتضيع الدماء ، والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة ، وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم ( كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله ) لأنه لا عاقلة له تحملها ( ولو رمى وهو مسلم فلم يصب السهم حتى ارتد كان عليه في ماله ، ولو رمى الكافر سهما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا ، فديته في ماله ) إذا تغير دين جارح حالتي جرح وزهوق ، فالمذهب تحمله العاقلة حال الجرح ، وقيل : أرش الجرح والزيادة بالسراية في ماله ، وقيل : الكل في ماله ، وهو المرجح هنا ، لأنه قتيل قتل في دار الإسلام معصوم ، فتعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله ( ولو جنى ابن المعتقة ثم انجر ولاؤه ثم سرت جنايته ، فأرش الجناية في ماله ، لتعذر حمل العاقلة ، فكذا هذا ) وصورتها : إذا رمى من عليه ولاء لموالي أمه فانجر ولاؤه إلى موالي أبيه ، وقع سهمه في شخص فالدية في ماله ، ولهذا قال في المحرر والفروع : فهو كتغير دين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية