الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل أبي رافع

في هذه السنة في جمادى الآخرة قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي ، وكان يظاهر كعب بن الأشرف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قتل كعب بن الأشرف ، وكان قتلته من الأوس ، قالت الخزرج : والله لا يذهبون بها علينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانا يتصاولان تصاول الفحلين ، فتذاكر الخزرج من يعادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كابن الأشرف ، فذكروا ابن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ، فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله ، فأذن لهم ، فخرج إليه من الخزرج عبد الله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة ، وخزاعي بن الأسود حليف لهم ، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك ، فخرجوا حتى قدموا خيبر فأتوا دار أبي رافع ليلا فلم يدعوا بابا في الدار إلا أغلقوه على أهله ، وكان في علية ، فاستأذنوا عليه ، فخرجت امرأته فقالت : من أنتم ؟ قالوا : نفر من العرب يلتمسون الميرة . قالت : ذاك صاحبكم فادخلوا عليه ، فدخلوا . فلما دخلوا أغلقوا باب العلية ، ووجدوه على فراشه ، وابتدروه ، فصاحت المرأة ، فجعل الرجل منهم يريد قتلها ، [ ص: 38 ] فيذكر نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم عن قتل النساء والصبيان ، فيمسك عنها ، وضربوه بأسيافهم ، وتحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، ثم خرجوا من عنده .

وكان عبد الله بن عتيك سيئ البصر ، فوقع من الدرجة فوثئت رجله وثأ شديدا ، فاحتملوه واختفوا ، وطلبتهم يهود في كل وجه فلم يروهم ، فرجعوا إلى صاحبهم ، فقال المسلمون : كيف نعلم أن عدو الله قد مات ؟ فعاد بعضهم ودخل في الناس ، فرأى الناس حوله وهو يقول : لقد عرفت صوت ابن عتيك ، ثم قلت : أين ابن عتيك ؟ ثم صاحت امرأته وقالت : مات والله . قال : فما سمعت كلمة ألذ إلى نفسي منها . ثم عاد إلى أصحابه وأخبرهم الخبر ، وسمع صوت الناعي يقول : أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز . وساروا حتى قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلفوا في قتله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافكم ، فجاءوا بها ، فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر العظام .

وقيل في قتله : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أبي رافع اليهودي ، وكان بأرض الحجاز رجالا من الأنصار ، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك ، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دنوا منه غربت الشمس ، وراح الناس بسرجهم ، فقال عبد الله بن عتيك لأصحابه : أقيموا مكانكم ؛ فإني أنطلق وأتلطف للبواب لعلي أدخل . فانطلق فأقبل حتى دنا من الباب فتقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته ، فهتف به البواب : إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب ، فدخل وأغلق الباب وعلق المفاتيح على وتد ، قال : فقمت فأخذتها ففتحت بها الباب ، وكان أبو رافع يسمر عنده في علالي له . فلما أراد النوم ذهب عنه السمار ، فصعدت إليه ، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته علي من داخل ، وقلت : إن علموا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله . قال : فانتهيت إليه ، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله ، لا أدري أي هو . فقلت : أبا رافع ! قال : من هذا ؟ فأهويت نحو الصوت فضربته ضربة بالسيف وأنا دهش ، فما أغنى عني شيئا وصاح ، فخرجت من البيت غير بعيد ثم دخلت عليه فقلت : ما هذا الصوت ؟ قال : لأمك الويل ! إن رجلا في البيت ضربني بالسيف . قال : فضربته فأثخنته فلم أقتله ، ثم وضعت حد السيف في بطنه حتى أخرجته من ظهره ، فعرفت أني قتلته ، فجعلت أفتح الأبواب وأخرج حتى [ ص: 39 ] انتهيت إلى درجة ، فوضعت رجلي وأنا أظن أني انتهيت إلى الأرض ، فوقعت في ليلة مقمرة وانكسرت ساقي ، فعصبتها بعمامتي وجلست عند الباب فقلت : والله لا أبرح حتى أعلم أقتلته أم لا . فلما صاح الديك قام الناعي فقال : أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز ، فانطلقت إلى أصحابي فقلت : النجاء ! قد قتل الله أبا رافع ، فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته . فقال : ابسط رجلك . فبسطتها فمسحها ، فكأني لم أشتكها قط .

قيل : كان قتل أبي رافع في ذي الحجة سنة أربع من الهجرة ، والله أعلم .

( سلام بتشديد اللام . وحقيق بضم الحاء المهملة ، وفتح القاف الأولى ، تصغير حق ) .

وفيها تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة بنت عمر بن الخطاب في شعبان ، وكانت قبله تحت خنيس ( بضم الخاء المعجمة ، وبالنون المفتوحة ، وبالياء المعجمة باثنتين من تحت ، وبالسين المهملة ) وهو ابن حذافة السهمي ، فتوفي فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية