الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأما ما يجب على الفور فكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكزكاة الأنعام والنقدين عند تمام الحول والتمكن من الأداء .

وكذلك زكاة المعشرات وكذلك زكاة الركاز عند وجدانه وفي زكاة المعادن خلاف وكذلك الحكم بين الخصوم ويجب سلوك أقرب الطرق فيه دفعا لعظم أحد الخصمين على الفور ، وكذلك يجب بيان أحكام الشرع على المفتي على [ ص: 250 ] الفور عند تحقق الحاجة إليها ، وكذلك العقوبات كلها شرعت على الفور تحصيلا لمصالح الردع والزجر فإنها لو أخرت لم يؤمن من ملابسة جرائمها .

فمن ذلك قتال أهل البغي وضرب الصبيان وقتل المجانين والصبيان دفعا لمفاسد الصيال إذا لم يندفعوا إلا بالقتل .

وكذلك حد الحنفي على شرب النبيذ ودفع المجانين والصبيان على الزنا والقتل والعقوبات ولو بالقتل ، وإذا اجتمعت الحدود قدم أخفها لأنه أقرب إلى استيفائها على الفور لأن الأشق لو قدم طال الانتظار إلى البرء ، وإذا قدم الأخف لم يطل ولأن حفظ محل الحقوق واجب ، فلو قدم الأشق لكان تغريرا بضياع محل الحق ، وإنما وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الفور لأن الغرض بالنهي زوال المفسدة ، فلو أخر النهي عنها لتحققت المفسدة والمعصية ، وكذلك يجب على الفور الأمر بالمعروف كي لا تتأخر مصلحته عن الوقت الذي وجب فيه ، وكذلك الزكاة إنما وجبت على الفور لأن الغرض منها سد الخلات ودفع الحاجات والضرورات وهي محققة على الفور .

وفي تأخيرها إضرار بالمستحقين مع أن الفقراء تتعلق أطماعهم بها ويتشوفون إليها فهم طالبون لها بلسان الحال دون لسان المقال ، بخلاف الكفارات والمندوبات التي لا شعور لهم فإنهم لا يتشوفون إلى ما لا شعور لهم به .

وكذلك لو كان على المكلف دين فإنه لا يلزمه المبادرة إلى أدائه مع علم صاحبه به ولا تجب المبادرة إليه إلا إذا طلبه بلسان المقال ، وإن ظهرت قرائن تشعر بالطلب بلسان الحال ففي وجوب المبادرة تردد واحتمال ، وإنما وجب الحكم بين الخصوم على الفور لأن أحد الخصمين ظالم مبطل وظلمه مفسدة ، ولو تأخر الحكم لتحققت المفسدة .

وكذلك يجب أداء [ ص: 251 ] الشهادة على الفور وكذلك الفتيا عند مسيس الحاجة إليها كما ذكرناه دفعا للمفسدة عن المستفتي . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عما مسته الحاجة إليه بادر بالجواب ، وإن لم يكن عنده علم صبر حتى ينزل الوحي بجواب الواقعة ، وكذلك المفتون بعده إذا سئلوا عما لا يعلمون صبروا حتى يجتهدوا في حكم الواقعة ، فإن كان الجواب مما يجب على الفور فالاجتهاد في معرفة الحكم واجب وكل واجب على التراخي فإنه يصير واجبا على الفور إذا ضاق وقته ، ومن ترك الصلاة عمدا ففي وجوب قضائها على الفور خلاف لأن وقتها لما ضاق صارت على الفور .

وكذلك من أفسد الحج وجب قضاؤه على الفور لأنه صار على الفور لما أحرم به ، فإن قيل هلا وجب الحج على الفور ؟ قلنا لأن المقصود الأعظم منه ثواب الآخرة وهو متراخ بخلاف الزكاة فإن المقصود منها دفع الحاجات وهي متحققة على الفور .

وأما ما يجب على التراخي فكالحج ، والعمرة والنذور المطلقة ، والكفارات .

التالي السابق


الخدمات العلمية