الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المرغب في الربا ما فيه من الربح الناجز المشاهد، والمفتر عن الصدقة كونها نقصا محققا بالحس بين أن الربا [وإن كان بصورة الزيادة فهو نقص وأن الصدقة وإن كانت بصورة النقص فهي زيادة] لأن ذلك إنما هو بيده سبحانه وتعالى فما شاء محقه وإن كان كثيرا [ ص: 134 ] أو ما أراد نماه وإن كان يسيرا فقال كالتعليل للأمر بالصدقة والنهي عن الربا ولكون فاعله من أهل النار: يمحق الله أي بما له من الجلال والقدرة الربا بما يفتح له من أبواب المصارف. قال الحرالي: والمحق الإذهاب بالكلية بقوة وسطوة ويربي الصدقات أي يزيد الصدقات بما يسد عنها مثل ذلك ويربح في تقلباتها; ويجوز كونه استئنافا وذلك أنه لما تقرر أن فاعليه من أصحاب النار ساقه مساق الجواب لمن كأنه قال: وإن تصدقوا من أموال الربا وأنفقوا في سبيل الخير! إعلاما بأن الربا مناف للخير فهو مما يكون هباء منثورا. ولما آذن جعلهم من أصحاب النار أن من لم ينته عن الربا أصلا أو انتهى وعاد إلى فعله مرتبك في شرك الشرك قاطع نحوه عقبات: ثنتان منها في انتهاك حرمة [الله: ستر آياته في عدم الانتهاء، والاستهانة بها في العود إليه، الثالثة انتهاك حرمة] عباد الله فكان إثمه متكررا مبالغا فيه لا يقع إلا كذلك عبر سبحانه وتعالى بصيغة [ ص: 135 ] المبالغة في قوله عطفا على ما تقديره تعليلا لما قبله: فالمتصدق مؤمن كريم والمربي كفار أثيم: والله المتصف بجميع صفات الكمال لا يحب كل كفار أي في واجب الحق بجحد ما شرع من آياته وسترها والاستهانة بها، أو كفار لنعمته سبحانه وتعالى بالاستطالة بما أعطاه على سلب ما أعطى عباده أثيم في واجب الخلق، أي منهمك في تعاطي ما حرم من اختصاصاتهم بالربا وغيره، فلذا لا يفعل معهم سبحانه وتعالى فعل المحب لا بالبركة في أموالهم ولا باليمن في أحوالهم، وهذا النفي من عموم السلب، وطريقه أنك تعتبر النفي أولا ثم تنسبه إلى الكل، فيكون المعنى: انتفى عن كل كفار أثيم حبه، وكذا كل ما ورد عليك من أشباهه إن اعتبرت النسبة إلى الكل أولا ثم نفيت فهو لسلب العموم، وإن اعتبرت النفي أولا ثم نسبته إلى الكل فلعموم السلب، وكذلك جميع القيود; فالكلام المشتمل على نفي وقيد قد يكون لنفي التقييد وقد يكون لتقييد النفي، فمثل: ما ضربته تأديبا، أي بل إهانة، سلب للتعليل والعمل [ ص: 136 ] للفعل، وما ضربته إكراما له، أي تركت ضربه للإكرام، تعليل للسلب والعمل للنفي، وما جاءني راكبا، أي بل ماشيا، نفي للكيفية، وما حج مستطيعا، أي ترك الحج مع الاستطاعة، تكييف للنفي; وقد أشبع الشيخ سعد الدين التفتازاني رحمه الله تعالى الكلام في ذلك في شرحه للمقاصد في بحث الرؤية عند استدلال المعتزلة بقوله تعالى: لا تدركه الأبصار

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية