الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] ( باب ) :

جاز الخلع ، وهو : الطلاق بعوض ، [ ص: 4 ] وبلا حاكم ، وبعوض من غيرها ; إن تأهل ; لا من : صغيرة ، وسفيهة ، وذي رق ، [ ص: 5 ] ورد المال وبانت .

[ ص: 3 ]

التالي السابق


[ ص: 3 ] فصل ) في الخلع :

( جاز الخلع ) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بلا كراهة على المشهور ، وكرهه ابن القصار . واقتصر عليه في المقدمات وجعله بدعة ( وهو ) أي الخلع أي حقيقته شرعا ( الطلاق ) جنس شمل الخلع وغيره من أقسام الطلاق ( بعوض ) للزوج من الزوجة ، أو غيرها ، فصل مخرج الطلاق بلا عوض ، وهذا هو الأصل ، وللخلع نوع آخر وهو الطلاق بلفظ الخلع بلا عوض ، فقيل تعريف المصنف لم يشمله لإرادته تعريف الأصل المشهور . وقال ابن عاشر : بل شمله ; لأن من لوازم كونه خلعا جريان أحكام الخلع عليه ، ومنها سقوط نفقتها أيام عدتها ، وهذا عوض محقق ، وإن لم يدخلا عليه ، فهذا طلاق بعوض أيضا .

والخلع لغة الإزالة ، يقال خلع ثوبه إذا نزعه وأزاله ، ولما كانت الزوجة كلباس للزوج في الستر والتوقية مما يضر ، سمي فراقها خلعا ، قال تعالى { هن لباس لكم } . والطلاق لغة الإرسال والترك ، وشرعا حل عقد النكاح وهو معنى جاهلي ورد الشرع بتقريره قاله إمام الحرمين ، وعرفه ابن عرفة بأنه صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجب تكررها مرتين للحر ، ومرة لذي رق حرمتها عليه قبل زوج ، وعرف بعض تلامذته الخلع بأنه عقد معاوضة على البضع تملك به الزوجة نفسها ويملك الزوج العوض به ، والرضاع بأنه صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بعوض . [ ص: 4 ] و ) جاز الخلع ( بلا ) حكم ( حاكم ) فليس معطوفا على بعوض لإيهامه توقف كونه خلعا على عدم حكم الحاكم وليس كذلك ( و ) جاز الطلاق ( بعوض من غيرها ) أي الزوجة وظاهره كالمدونة سواء قصد مصلحة ، أو درء مفسدة ، أو مجرد إسقاط نفقتها عن زوجها أيام عدتها ، وعليه حملها البرزلي ، وبه أفتى ابن ناجي ، ثم ظهر له أن الصواب تقييد ابن عبد السلام بما إذا لم يقصد إسقاط نفقة العدة ، وتبعه ابن عرفة بلفظ ينبغي والمصنف في توضيحه .

ابن عرفة فيها من قال لرجل : طلق امرأتك ولك ألف درهم ففعل لزم ذلك الرجل ابن ناجي حملها شيخنا البرزلي على ظاهرها ، وأفتيت به والصواب خلافه . وفي التوضيح ابن عبد السلام ينبغي أن يقيد كلام أهل المذهب في الأجنبي بكونه لمصلحة ، أو درء مفسدة ، ولم يقصد به إضرار المرأة ، وأما ما يجعله بعضهم لقصد مجرد إسقاط نفقة العدة فلا ينبغي أن يختلف في منعه ، وفي انتفاع المطلق به بعد الوقوع نظر ابن عرفة : باذل الخلع من صح معروفه ، والمذهب صحته من غير الزوجة مستقلا . قلت ما لم يظهر قصد ضررها بإسقاط نفقة العدة فينبغي رده كشراء دين للعدو ا هـ .

وذكر شرط ملتزم العوض زوجة كان أو غيرها فقال ( إن تأهل ) بفتحات مثقلا أي كان أهلا لالتزامه بأن كان غير محجور عليه ابن عرفة باذل العوض من يصح معروفه ; لأن عوضه غير مال . ا هـ . وذكر مفهوم إن تأهل فقال ( لا ) يجوز ولا يصح العوض ( من ) زوجة ( صغيرة و ) زوجة ( سفيهة ) أي بالغة لا تحسن التصرف في المال مهملة ، أو ذات أب أو وصي ، أو مقدم قاض بغير إذنه ، فإن أذن لها وليها صح وجاز ( و ) لا من شخص ( ذي رق ) أي رقيق ولو بشائبة حرية بغير إذن سيده ، وله رده إن كان ينتزع ماله فيمضي من معتق لأجل قرب أجله ، ويوقف من مدبرة وأم ولد في مرضه ، فإن مات مضى من أم الولد والمدبرة إن حملها الثلث ، وإن صح فله رده ويرد خلع المكاتبة بكثير [ ص: 5 ] ولو بإذنه لتأديته لعجزها وبيسير بإذنه مضى ، وبغير إذنه يوقف ، فإن أدت مضى . وإن عجزت فله رده على الراجح ابن شاس ولا يضمنه سيد بإذنه فيه كالصداق ( ورد ) الزوج ( المال ) الذي خالعته به صغيرة ، أو سفيهة ، أو رقيق بلا إذن من وليها وسيده .

( وبانت ) الزوجة منه ولا يتبع الأمة بشيء بعد عتقها فإن ارتجعها لظنه رجعيا ، أو تقليده من رآه رجعيا فرق بينهما ولو بعد الوطء وهو وطء شبهة إن لم يحكم بصحتها حاكم يراها ، وإلا فلا لرفعه الخلاف ، وظاهر قوله : وبانت . ولو قال : بعد الطلاق إن لم يتم لي ما خالعت به فلا يلزمني طلاق فلا ينفعه ; لأنه تعقيب برافع . وأما إن علق الطلاق على تمام ما خالعت به له ، بإن تم لي هذا المال ، أو إن صحت براءتك فأنت طالق ، فإن أمضى الولي فعلها لزمه الطلاق ، وإن رده فلا يلزمه ; إذ لم يقل أحد بوقوع المعلق بدون وقوع المعلق عليه . فإن قال لرشيدة إن صحت براءتك فأنت طالق فأبرأته لزمتها البراءة ولزمه الطلاق ، فالتعليق في مخالعتها كعدمه .




الخدمات العلمية