الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } الآية ( قال الشافعي ) والله أعلم بمعنى ما أراد فأما ظاهر الآية فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك القيام بالشقاق وذلك أن الله عز وجل أذن في نشوز المرأة بالعظة والهجرة والضرب ولنشوز الرجل بالصلح فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال الشافعي ) فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما ويصلحا بينهما إن قدرا ( قال ) وليس له أن يأمرهما بفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يعطيا من مال المرأة إلا بإذنها ( قال ) فإن اصطلح الزوجان وإلا كان على الحاكم أن يحكم لكل واحد منهما على صاحبه بما يلزمه من حق في نفس ومال وأدب ( قال ) وذلك أن الله عز وجل إنما ذكر أنهما { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ولم يذكر تفريقا ( قال ) وأختار للإمام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معا فيوكلهما الزوج إن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا على ما رأيا من أخذ شيء أو غير أخذه إن اختبرا توليا من المرأة عنه ( قال ) وإن جعل إليهما إن رضيت بكذا وكذا فأعطياها ذلك عني واسألاها أن تكف عني كذا وللمرأة أن توكلهما إن شاءت بأن يعطيا عنها في الفرقة شيئا تسميه إن رأيا أنه لا يصلح الزوج غيره وإن رأيا أن يعطياه أن يفعلا أو له كذا ويترك لها كذا فإن فعل ذلك الزوجان [ ص: 209 ] أمر الحكمين بأن يجتهدا فإن رأيا الجمع خيرا لم يصيرا إلى الفراق وإن رأيا الفراق خيرا أمرهما فصارا إليه وإن رجع الزوجان أو أحدهما بعدما يوكلانهما عن الوكالة أو بعضها أمرهما بما أمرهما به أولا من الإصلاح ولم يجعلهما وكيليهما إلا فيما وكلا فيه ( قال ) ولا يجبر الزوجان على توكيلهما إن لم يوكلا وإذا وكلاهما معا كما وصفت لم يجز أمر واحد منهما دون صاحبه فإن فرق أحدهما ولم يفرق الآخر لم تجز الفرقة ، وكذلك إن أعطى أحدهما على الآخر شيئا ( قال ) وإن غاب أحد الحكمين أو غلب على عقله بعث حكما غير الغائب أو المغلوب المصلح من قبل الحاكم وبالوكالة إن وكله بها الزوجان ( قال ) وإن غلب أحد الزوجين على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يعود إليه عقله ثم يجدد وكالة ( قال ) وإن غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما ولم تقطع غيبة واحد منهما الوكالة ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني أنه قال في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } قال جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ، عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، وقال الرجل أما الفرقة فلا . فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به .

( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعه يقول : تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت له اصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة ؟ أين شيبة بن ربيعة ؟ فيسكت عنها حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة ؟ فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن عفان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما .

( قال الشافعي ) حديث علي ثابت عندنا وهو إن شاء الله كما قلنا لا نخالفه لأن عليا إذ قال لهم ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والزوجان حاضران فإنما خاطب به الزوجين أو من أعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما قال وقوله للرجل لا والله حتى تقر بمثل ما أقرت به أن لا يقضي الحكمان إن رأيا الفرقة إذا رجعت عن توكيلهما حتى تعود إلى الرضا بأن يكونا بوكالتك ناظرين بما يصلح أمركما ولو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بلا وكالة الزوج ما احتاج علي رضي الله عنه إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث هو ولقال للزوج إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك وإن لم تأذن به ولم يحلف لا يمضي الحكمان حتى يقر ولو كان للحاكم جبر الزوجين على أن يوكلا كان له أن يمضيه بلا أمرهما ( قال ) وليس في الحديث الذي روي عن عثمان دلالة كالدلائل في حديث علي رضي الله عنه وهو يشبه أن يكون كالحديث عن علي فإن قال قائل : فقد يحتمل خلافه قيل نعم : وموافقته فلست بأولى بأحد الوجهين من غيرك بل هو إلى موافقة حديث علي كرم الله وجهه أقرب من أن يكون قوله خلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية