الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأخذ في تفصيل بعض هذه العقود :

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود.. أحلت لكم بهيمة الأنعام - إلا ما يتلى عليكم - غير محلي الصيد وأنتم حرم. إن الله يحكم ما يريد يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله، ولا الشهر الحرام، ولا الهدي، ولا القلائد، ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا، ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. وتعاونوا على البر والتقوى. ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. [ ص: 837 ] واتقوا الله. إن الله شديد العقاب حرمت عليكم الميتة، والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع - إلا ما ذكيتم - وما ذبح على النصب، وأن تستقسموا بالأزلام. ذلكم فسق.. اليوم يئس الذين كفروا من دينكم، فلا تخشوهم واخشون.. اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة - غير متجانف لإثم - فإن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                      . . إن هذا التحريم والتحليل في الذبائح ، وفي الأنواع ، وفي الأماكن ، وفي الأوقات . . إن هذا كله من "العقود " . . وهي عقود قائمة على عقد الإيمان ابتداء . فالذين آمنوا يقتضيهم عقد الإيمان أن يتلقوا التحريم والتحليل من الله وحده ; ولا يتلقوا في هذا شيئا من غيره . . ومن ثم نودوا هذا النداء ، في مطلع هذا البيان . . وأخذ بعده في بيان الحلال والحرام:

                                                                                                                                                                                                                                      أحلت لكم بهيمة الأنعام - إلا ما يتلى عليكم - . .

                                                                                                                                                                                                                                      وبمقتضى هذا الإحلال من الله ; وبمقتضى إذنه هذا وشرعه - لا من أي مصدر آخر ولا استمدادا من أي أصل آخر - صار حلالا لكم ومباحا أن تأكلوا من كل ما يدخل تحت مدلول بهيمة الأنعام من الذبائح والصيد - إلا ما يتلى عليكم تحريمه منها - وهو الذي سيرد ذكره محرما . . إما حرمة وقتية أو مكانية ; وإما حرمة مطلقة في أي مكان وفي أي زمان . وبهيمة الأنعام تشمل الإبل والبقر والغنم ويضاف إليها الوحشي منها ، كالبقر الوحشي ، والحمر الوحشية والظباء .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأخذ في الاستثناء من هذا العموم . . وأول المستثنيات الصيد في حال الإحرام :

                                                                                                                                                                                                                                      غير محلي الصيد وأنتم حرم . .

                                                                                                                                                                                                                                      والتحريم هنا ينطبق ابتداء على عملية الصيد ذاتها . فالإحرام للحج أو للعمرة ، تجرد عن أسباب الحياة العادية وأساليبها المألوفة وتوجه إلى الله في بيته الحرام ، الذي جعله الله مثابة الأمان . . ومن ثم ينبغي عنده الكف عن بسط الأكف إلى أي حي من الأحياء . . وهي فترة نفسية ضرورية للنفس البشرية ; تستشعر فيها صلة الحياة بين جميع الأحياء في واهب الحياة ; وتأمن فيها وتؤمن كذلك من كل اعتداء ; وتتخفف من ضرورات المعاش التي أحل من أجلها صيد الطير والحيوان وأكله ; لترتفع في هذه الفترة على مألوف الحياة وأساليبها ، وتتطلع إلى هذا الأفق الرفاف الوضيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقبل أن يمضي السياق في بيان المستثنيات من حكم الحل العام ، يربط هذا العقد بالعقد الأكبر ، ويذكر الذين آمنوا بمصدر ذلك الميثاق :

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يحكم ما يريد . .

                                                                                                                                                                                                                                      طليقة مشيئته ، حاكمة إرادته ، متفردا - سبحانه - بالحكم وفق ما يريد . ليس هنالك من يريد معه ; وليس هنالك من يحكم بعده ; ولا راد لما يحكم به . . وهذا هو حكمه في حل ما يشاء وحرمة ما يشاء . .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية