الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) يحصل البيان أيضا ( بإقرار على فعل ) أي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على فعل بعض أمته . لأنه دليل مستقل ، فصح أن يكون بيانا لغيره كغيره من الأدلة ( وكل مقيد من ) جهة ( الشرع بيان ) وهذه قاعدة كلية فيما يحصل به البيان ، تتناول ما سبق وما يأتي بعد إن شاء الله تعالى . ذكر ذلك الطوفي في مختصره . وذلك من وجوه ، منها الترك ، مثل أن يترك فعلا قد أمر به ، أو قد سبق منه فعله فيكون تركه له مبينا لعدم وجوبه . وذلك كما أنه قيل له { وأشهدوا إذا تبايعتم } ثم إنه كان يبايع ولا يشهد ، بدليل الفرس الذي اشتراه من الأعرابي ثم أنكر البيع . فعلم أن الإشهاد في البيع غير واجب . وصلى النبي صلى الله عليه وسلم التراويح في رمضان ثم تركها ، خشية أن تفرض عليهم . فدل على عدم الوجوب ، إذ يمتنع تركه الواجب . ومنها : السكوت بعد السؤال عن حكم الواقعة . فيعلم أنه لا حكم للشرع فيها ، كما روي { أن زوجة سعد بن الربيع جاءت بابنتيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد . وقد أخذ عمهما مالهما ، ولا ينكحان إلا بمال . فقال : اذهبي حتى يقضي الله فيك . فذهبت ثم نزلت آية الميراث { يوصيكم الله في أولادكم } فبعث خلف المرأة وابنتيها وعمهما [ ص: 438 ] فقضى فيهم بحكم الآية } فدل ذلك على أن قبل نزول الآية لم يكن في المسألة حكم ، وإلا لما جاز تأخيره عن وقت الحاجة إليه ، كما يأتي . ومنها : أن يستدل الشارع استدلالا عقليا ، فتبين به العلة ، أو مأخذ الحكم ، أو فائدة ما إذ الكلام في بيان المجمل ومحتملاته بالفرض متساوية . فأدنى مرجح يحصل بيانا محافظة على المبادرة إلى الامتثال ، وعدم الإهمال للدليل . قاله الطوفي في شرحه .

وتابعه العسقلاني في شرحه . وزاد الأخير ( والفعل والقول ) الصادران من الشارع ( بعد مجمل ، إن صلحا ) أي صلح كل واحد منهما أن يكون بيانا ( واتفقا ) في غرض البيان ، بأن لا يكون بينهما تناف ( فالأسبق ) منهما ( إن عرف بيان ) للمجمل ( والثاني ) منهما ( تأكيد ) للأسبق ( وإن جهل ) الأسبق من الفعل والقول ( فأحدهما ) فقط هو المبين فلا يقضى على واحد بعينه بأنه المبين ، بل يقضى بحصول البيان من واحد منهما لم نطلع عليه ، وهو الأول في نفس الأمر والثاني في نفس الأمر تأكيد وهذا هو الصحيح ، وعليه الأكثر . وقال الآمدي : يتعين للتقديم غير الأرجح ، حتى يكون هو المبين ، لأن المرجوح لا يكون تأكيدا للراجح ، لعدم الفائدة ، وأجابوا عن ذلك بأن المؤكد المستقل لا يلزم فيه ذلك ، كالجمل التي يذكر بعضها بعد بعض للتأكيد ، وأن التأكيد يحصل بالثانية . وإن كان أضعف بانضمامها إلى الأولى ، وإنما يلزم كون المؤكد أقوى في المفردات ( وإن ) ( لم يتفقا ) أي الفعل والقول ( كما لو طاف ) النبي ( صلى الله عليه وسلم بعد آية الحج ) حال كونه ( مرتين ) أي طوافين ( وأمر ) من حج ( قارنا بمرة ) أي بطواف واحد .

( فقوله ) الذي هو أمره بطواف واحد ( بيان ) سواء كان قبل فعله الذي هو طوافه مرتين أو بعده . لأن القول يدل على البيان بنفسه بخلاف الفعل . فإنه لا يدل إلا بواسطة انضمام القول إليه . والدال بنفسه أقوى من الدال بغيره لا يقال : قد سبق أن الفعل أقوى في البيان . لأنا نقول : التحقيق أن القول أقوى في الدلالة على الحكم . والفعل أدل على الكيفية . ففعل الصلاة أدل من وصفها بالقول لأن فيه المشاهدة . وأما استفادة وجوبها أو ندبها أو غيرهما : فالقول أقوى [ ص: 439 ] لصراحته . وقيل : المقدم هو البيان ( وفعله ) الذي هو طوافه مرتين سواء كان قبل قوله أو بعده ( ندب ، أو واجب مختص به ) يعني : أن فعله المذكور يحمل حينئذ على الندب ، أو على الوجوب المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لما تقدم من قوة دلالة القول ( ويجوز كون البيان أضعف دلالة ) من المبين عند الأكثر من أصحابنا وغيرهم . واستدل لذلك بتبيين السنة لمجمل القرآن . وقيل : لا بد أن يكون البيان أقوى . وقيل : لا بد من التساوي ( ولا تعتبر مساواته ) أي مساواة البيان للمبين ( في الحكم ) وعدمه . قال ابن مفلح : لا تعتبر مساواة البيان للمبين في الحكم . قاله في التمهيد : وغيره ، لتضمنه صفته . والزائد بدليل ، خلافا لقوم . فهذه المسألة غير المسألة التي قبلها . لأن الأولى في ضعف الدلالة وقوتها . وهذه في مساواة البيان للمبين في الحكم وعدمه .

والمسألة التي قبلها ممثلة بتبيين القرآن بخبر الواحد . وذلك أضعف في الرتبة ، لا في الدلالة ولا يلزم من ضعف الرتبة ضعف الدلالة ، لجواز أن يكون الأضعف رتبة أقوى دلالة ، كتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لأنه أخص فيكون أدل

التالي السابق


الخدمات العلمية