الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثاني : الأخذ بقول الصحابي ، فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قاله الحاكم في تفسيره .

وقال أبو الخطاب من الحنابلة : يحتمل ألا يرجع إليه إذا قلنا إن قوله ليس بحجة ؛ والصواب الأول ؛ لأنه من باب الرواية لا الرأي .

وقد أخرج ابن جرير عن مسروق ، قال عبد الله بن مسعود : والذي لا إله إلا هو ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ؛ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته . وقال أيضا : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن ، حتى يعلم معانيهن ، والعمل بهن .

وصدور المفسرين من الصحابة : علي ، ثم ابن عباس - وهو تجرد لهذا الشأن - والمحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن علي ، إلا أن ابن عباس كان أخذ عن علي - ويتلوه عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكل ما ورد عن غيرهم من الصحابة فحسن مقدم .

[ ص: 294 ] مسألة

وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد ، واختار ابن عقيل المنع ، وحكوه عن شعبة ، لكن عمل المفسرين على خلافه . وقد حكوا في كتبهم أقوالهم كالضحاك بن مزاحم ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي العالية الرياحي ، والحسن البصري ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن سليمان ، وعطاء بن أبي [ ص: 295 ] مسلم الخراساني ، ومرة الهمداني ، وعلي بن أبي طلحة الوالبي ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وعكرمة مولى ابن عباس ، . . . . . . . . . . [ ص: 296 ] وعطية العوفي ، وعطاء بن أبي رباح ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

فهذه تفاسير القدماء المشهورين ، وغالب أقوالهم تلقوها من الصحابة ، ولعل اختلاف الرواية عن أحمد إنما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم .

ومن المبرزين في التابعين : الحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، ثم يتلوهم عكرمة والضحاك - وإن لم يلق ابن عباس ، وإنما أخذ عن ابن جبير .

وأما علم السدي فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر .

وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي في كتابه الكامل : للكلبي أحاديث صالحة ، وخاصة عن أبي صالح ، وهو معروف بالتفسير [ ص: 297 ] [ ص: 298 ] وليس لأحد تفسير أطول منه ، ولا أشبع منه ، وبعده مقاتل بن سليمان ؛ إلا أن الكلبي يفضل على مقاتل ؛ لما في مقاتل من المذاهب الرديئة .

ثم بعد هذه الطبقة ألفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين ، كتفسير : سفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وشعبة بن الحجاج ، ويزيد بن هارون ، والمفضل ، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، وإسحاق بن راهويه ، وروح بن عبادة ، ويحيى بن [ ص: 299 ] قريش ، ومالك بن سليمان الهروي ، وعبد بن حميد الكسي ، وعبد الله بن الجراح ، وهشيم بن بشير ، وصالح بن محمد اليزيدي ، وعلي بن حجر بن إياس السعدي ، ويحيى بن محمد بن عبد الله الهروي ، . . . . . . . . [ ص: 300 ] وعلي بن أبي طلحة وغيرهم ، وابن مردويه ، وسنيد ، والنسائي ، وغيرهم .

ووقع في مسند أحمد ، والبزار ، ومعجم الطبراني ، وغيرهم كثير من ذلك .

ثم إن محمد بن جرير الطبري جمع على الناس أشتات التفاسير ، وقرب البعيد . وكذلك عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي . وأما أبو بكر النقاش ، وأبو جعفر [ ص: 301 ] النحاس ، فكثيرا ما استدرك الناس عليهما ، وعلى سننهما مكي ، والمهدوي حسن التأليف ، وكذلك من تبعهم كابن عطية ، وكلهم متقن مأجور ، فجزاهم الله خيرا .

تنبيه

يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم ، ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ ، ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافا فيحكيه أقوالا ، وليس كذلك ، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر من الآية ، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل ، أو لكونه أليق بحال السائل . وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره ، والآخر بمقصوده وثمرته ، والكل يؤول إلى معنى واحد غالبا ، والمراد الجميع ، فليتفطن لذلك ؛ ولا يفهم من اختلاف العبارات اختلاف المرادات ، كما قيل :

[ ص: 302 ]

عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير

هذا كله حيث أمكن الجمع ، فأما إذا لم يمكن الجمع فالمتأخر من القولين عن الشخص الواحد مقدم عنه إن استويا في الصحة ، وإلا فالصحيح المقدم ، وكثيرا ما يذكر المفسرون شيئا في الآية على جهة التمثيل لما دخل في الآية ، فيظن بعض الناس أنه قصر الآية على ذلك ، ولقد بلغني عن شخص أنه أنكر على الشيخ أبي الحسن الشاذلي قوله في قوله - تعالى - : نأت بخير منها أو مثلها ( البقرة : 106 ) " ما ذهب الله بولي إلا أتى بخير منه أو مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية