الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1602 1686 ، 1687 - حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي، عن يونس الأيلي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - كان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى -قال:- فكلاهما قالا: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة. [انظر: 1543، 1544 - مسلم: 1280، 1281 - فتح: 3 \ 532]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس : أنه - عليه السلام - أردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف قريبا في باب النزول بين عرفة وجمع، وحديث أسامة السالف فيه أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ولم يذكر ما يدل على التكبير، واختلف السلف في الوقت الذي يقطع فيه الحاج التلبية; فذهبت طائفة إلى حديثي الباب، وقالوا: يلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة، وروي هذا عن ابن مسعود وابن عباس ، وبه قال عطاء، وطاوس، والنخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقالوا:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 16 ] يقطعها مع أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، إلا أحمد وإسحاق: فإنه يقطعها عندهما إذا رمى الجمرة بأسرها على ظاهر الحديث. وروي عن علي: أنه كان يلبي في الحج، فإذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطعها.

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. وقال ابن شهاب : وفعل ذلك الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وابن المسيب.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن المنذر عن سعد مثله، وذكر أيضا عن مكحول. وكان ابن الزبير يقول: أفضل الدعاء يوم عرفة التكبير، وروي معناه عن جابر.

                                                                                                                                                                                                                              احتج ابن القصار لمالك وأهل المدينة فقال في حديث ابن عباس وأسامة: لو فعل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه المستحب عنده لم يخالفه الصحابة بعده، فيحتمل أنه أراد أن لا يقطع التلبية عند زوال الشمس; لأن الناس كانوا يتلاحقون به يوم عرفة، وليلة النحر إلى طلوع الفجر، وهو آخر الوقت الذي به يدرك عرفة، حتى لا يبقى أحد إلا سمع تلبيته; لأنه صاحب الشرع، فأعلمهم أنها تجوز إلى هذا الوقت، ويكون المستحب لنا عند الزوال بعرفة; لما قد تقرر من اختيار الصحابة له، وهم الذين أمرنا بالاقتداء بهم; لأنهم المتلقون للسنن، والمفسرون لها، فوجب اتباع سبيلهم، واختيار ما اختاروه، والرغبة فيما رغبوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 17 ] وتأول الطحاوي: في قطع الصحابة التلبية عند الرواح إلى عرفة: أن ذلك لم يكن على أن وقت التلبية قد انقطع، ولكن لأنهم كانوا يأخذون فيما سواها من الذكر والتكبير والتهليل، كما لهم أن يفعلوا ذلك قبل يوم عرفة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة أن التلبية: هي الإجابة لما دعي إليه، فإذا بلغ عرفة فقد بلغ غاية ما يدركه الحاج بإدراكه ويفوت بفوته؛ فلذلك يقطع التلبية عند بلوغ النهاية.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف ذكر الارتداف في السير في أول الحج، قال ابن المنذر: وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة يوم النحر على راحلته، وقال به مالك، فرأى أن يرمي جمرة العقبة راكبا للاقتداء، وفي غير يوم النحر ماشيا، وكره جابر أن يركب إلى شيء من الجمار إلا من ضرورة، وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون الجمار وهم مشاة، واستحب ذلك أحمد وإسحاق.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 18 ]



                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية