الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن كان حالا ، وله مال يفي به : لم يحجر عليه . ويأمره الحاكم بوفائه . فإن أبى حبسه ) القول بالحبس : اختاره جماهير الأصحاب . وقطع به أكثرهم . وعليه العمل . وهو الصواب . ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة غالبا إلا به ، وبما هو أشد منه . وقال ابن هبيرة في الإفصاح : أول من حبس على الدين : شريح القاضي . { ومضت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم : أنه لا يحبس على الديون ، لكن يتلازم الخصمان } . وأما الحبس الآن على الدين : فلا أعلم أنه يجوز عند أحد من المسلمين . وتكلم على ذلك وأطال . ذكره في الفروع والطبقات .

فائدة :

إذا حبس فليس للحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره ، أو يبرئه غريمه أو يرضى بإخراجه . [ ص: 276 ] فإذا تبين أمره : لم يسع الحاكم حبسه ، ولو لم يرض غريمه ; لأنه ظلم محض . قوله ( فإن أصر : باع ماله . وقضى دينه ) إذا أصر على الحبس ، فقال المصنف هنا : يبيع الحاكم ماله . ويقضي دينه ، من غير ضرب . قال في الفائق : أبى الضرب الأكثرون . وقال جماعة من الأصحاب : إذا أصر على الحبس ، وصبر عليه : ضربه الحاكم نقله حنبل . ذكره عنه في المنتخب وغيره . قال في الفصول وغيره : يحبسه . فإن أبى عزره . قال : ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : نص عليه الأئمة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله وغيرهم . ولا أعلم فيه نزاعا ، لكن لا يزاد في كل يوم على أكثر التعزير ، إن قيل بتقديره . انتهى .

فائدتان

إحداهما : متى باع الحاكم عليه . فقال في الفروع : ذكر جماعة أنه يحبس . فإن لم يقض باع الحاكم وقضاه . فظاهره : يجب على الحاكم بيعه . نقل حنبل : إذا تقاعد بحقوق الناس : يباع عليه ، ويقضي . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : لا يلزمه أن يبيع عليه . وقال أيضا : من طولب بأداء حق عليه ، فطلب إمهالا : أمهل بقدر ذلك اتفاقا . لكن إن خاف غريمه منه : احتاط عليه بملازمة ، أو كفيل ، أو ترسيم عليه .

الثانية : لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية ، فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل . جزم به في الفروع . وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا . [ ص: 277 ] قلت : ونظير ذلك : ما ذكره المصنف والأصحاب في باب استيفاء القصاص في أثناء فصل " ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان " ثم قال : وإلا أمر بالتوكيل . وإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني . وكذا أجرة القطع في السرقة على السارق . وقال في الرعاية الكبرى في باب من الدعاوى : وإن أحضر المدعى به ، ولم يثبت للمدعي : لزمه مؤنة إحضاره ورده ، وإلا لزما المنكر . وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله في الضمان : إذا تغيب المضمون عنه حتى غرم الضامن شيئا بسببه ، أو أنفقه في الحبس : أنه يرجع به على المضمون عنه . وقال أيضا : لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر : رجع به على الكاذب ذكره عنه في الفروع في أوائل الفصل الأول من كتاب الغصب .

التالي السابق


الخدمات العلمية