الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومتى أطلق عنه الحجر ثم عاد إلى حال الحجر حجر عليه ، ومتى رجع بعد الحجر إلى حال الإطلاق أطلق عنه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا حجر الحاكم على رجل بالسفه ثم ظهر رشده وجب على الحاكم أن يفك حجره ، وفي هذا الرشد الذي يوجب فك حجره وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : الصلاح في الدين والإصلاح في المال ، وهذا قول أبي العباس بن سريج ، فإن وجد منه الصلاح في الدين ولم يوجد الصلاح في المال ، أو وجد منه الإصلاح في المال ولم يوجد منه الإصلاح في الدين وجب استدامة الحجر عليه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه الإصلاح في المال وحده وهو قول أبي إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            [ ص: 363 ] فإذا ظهر رشده على ما ذكرنا من الوجهين لم ينفك الحجر عنه إلا بحكم الحاكم ، لأن ما يوجب زوال الحجر يفتقر إلى اجتهاد ، بخلاف الجنون الذي الإفاقة منه ظاهرة ولا يفتقر إلى اجتهاد .

                                                                                                                                            ويرتفع الحجر بوجود الإفاقة من غير حكم ، وسواء كانت الولاية على السفيه مردودة إلى أبيه أو غيره ، بخلاف الصغير لأن ابتداء الحجر على السفيه لا يثبت إلا بحكم حاكم فلم يرتفع إلا بحكم حاكم ، وابتداء الحجر على الصغير يثبت بغير حكم حاكم فجاز أن يرتفع مع الأب بغير حكم ، فإذا فك الحاكم الحجر عنه بعودة إلى حال الرشد جاز تصرفه ، فلو عاد إلى حال التبذير والسفه وجب على الحاكم أن يعيد الحجر عليه .

                                                                                                                                            فإن عاد إلى حال الرشد رفع الحجر عنه ، فعلى هذا يكون الحكم كلما عاد إلى السفه حجر عليه ، وإن عاد إلى الرشد فك الحجر عنه ، لأن كل علة أوجبت حكما اقتضى أن يكون زوال تلك العلة موجبا لزوال ذلك الحكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية