الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها : تعلق حق الغرماء بماله . فلا يقبل إقراره عليه . ولا يصح تصرفه فيه إلا بالعتق على إحدى الروايتين )

. اعلم أنه إذا كان عليه دين أكثر من ماله ، وتصرف . فلا يخلو : إما أن يكون تصرفه قبل الحجر عليه أو بعده . فإن كان قبل الحجر عليه : صح تصرفه ، على الصحيح من المذهب . نص عليه ، وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم . ولو استغرق جميع ماله ، حتى قال في المستوعب وغيره : لا يختلف المذهب في ذلك . وقيل لا ينفذ تصرفه . ذكره الشيخ تقي الدين ، وحكاه رواية . واختاره . وسأله جعفر : من عليه دين يتصدق بشيء ؟ قال : الشيء اليسير . وقضاء دينه أوجب عليه . قلت : وهذا القول هو الصواب ، خصوصا وقد كثرت حيل الناس . وجزم به في القاعدة الثالثة والخمسين . وقال : المفلس إذا طلب البائع منه سلعته التي يرجع بها قبل الحجر : لم ينفذ تصرفه . نص عليه وذكر في ذلك ثلاث نصوص ، لكن ذلك مخصوص بمطالبة البائع . [ ص: 283 ] وعنه له منع ابنه من التصرف في ماله بما يضره ونقل حنبل فيمن تصدق وأبواه فقيران رد عليهما . لا لمن دونهما . ونص في رواية : على أن من أوصى لأجانب ، وله أقارب محتاجون : أن الوصية ترد عليهم . قال في القاعدة الحادية عشر : فيخرج من ذلك : أن من تبرع وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين ، وليس له وفاء : أنه يرد . ولهذا يباع المدبر في الدين خاصة على رواية . ونقل ابن منصور فيمن تصدق عند موته بماله كله قال : هذا مردود ، ولو كان في حياته : لم أجوز إذا كان له ولد . فعلى المذهب : يحرم عليه التصرف إن أضر بغريمه . ذكره الأدمي البغدادي ، واقتصر عليه في الفروع . وهو حسن . وإن تصرف بعد الحجر عليه ، فلا يخلو : إما أن يتصرف بالعتق أو بغيره . فإن تصرف بالعتق فأطلق المصنف في صحة عتقه روايتين . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والكافي ، والهادي ، والتلخيص ، والبلغة ، وغيرهم .

إحداهما : لا يصح . وهو المذهب . قال المصنف ، والشارح ، والزركشي في كتاب العتق : هذا أصح . واختاره أبو الخطاب في رءوس المسائل ، وابن عبدوس في تذكرته . وجزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأزجي وغيرهم . وصححه في التصحيح ، وغيره . وقدمه في المحرر ، والفروع ، والرعاية الصغرى ، والحاويين ، والفائق ، وإدراك الغاية ، والرواية الثانية : يصح . اختاره أبو بكر ، والقاضي ، والشريف . قاله الزركشي . [ ص: 284 ] قال في الرعاية الكبرى : يصح عتقه على الأقيس . وإن تصرف بغير العتق ، فلا يخلو : إما أن يكون بتدبير رقيقه أو غيره فإن كان بالتدبير : صح ، بلا نزاع أعلمه . وإن كان بغيره ، فلا يخلو : إما أن يكون بالشيء اليسير . أو غيره . فإن كان الشيء اليسير : لم ينفذ تصرفه . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وعليه الأصحاب . وفي المستوعب ، والرعاية : يصح تصرفه بالصدقة في الشيء اليسير . زاد في الرعاية : بشرط أن لا يضر . قلت : إذا كانت العادة مما جرت به ، ويتسامح بمثله : فيبغي أن يصح تصرفه فيه بلا خلاف . وفي الرعاية وغيرهما : تصح وصيته . بشرط أن لا يضر بماله . انتهى .

وإن كان تصرفه بغير اليسير : لم يصح تصرفه ، على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه . ونقل موسى بن سعيد : إن تصرف قبل طلب رب العين لها : جاز ، لا بعد .

فائدتان

إحداهما : لو باع ماله لغريم بكل الدين الذي عليه ، ففي صحته وجهان . وأطلقهما في الفروع . قال في الرعاية : يحتمل وجهين .

أحدهما : يصح لرضاهما به . وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله . والوجه الثاني : لا يصح . لاحتمال ظهور غريم آخر . قلت : وهو الصواب .

الثانية : يملك رد معيب اشتراه قبل الحجر . ويملك الرد بخيار غير متقيد [ ص: 285 ] بالأحظ ، على الصحيح من المذهب . قال في التلخيص : ولا يتقيد بالأحظ على الأظهر . قال في الفائق : هذا أصح الوجهين . وهو ظاهر ما جزم به في الحاويين ، والرعاية الصغرى ، فإنهما قالا : وله رد ما اشتراه قبل الحجر بعيب ، أو خيار . وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى . قال الزركشي : وهو المشهور . وجزم به في المغني ، والشرح في الثانية . وقيل : إن كان فيه حظ نفذ تصرفه ، وإلا فلا . قال في التلخيص : وهو قياس المذهب . قلت : وهو الصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية