الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1404 - ( وعن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، فلما كان عثمان وكثر الناس ، زاد النداء الثالث على الزوراء . رواه البخاري ) .

التالي السابق


1404 - ( وعن السائب بن يزيد قال : كان النداء ) أي : الإعلام ( يوم الجمعة أوله ) وهو الأذان ( إذا جلس الإمام على المنبر ) أي قبل الخطبة ، وثانيه وهو الإقامة إذا فرغ من الخطبة ونزل ( على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ) أي : زمانهم ( فلما كان عثمان ) أي : زمن خلافته . قال الطيبي : كان تامة أي : حصل عهده وقال ابن حجر : ويصح كونها ناقصة والخبر محذوف أي : خليفة ، وفيه أن التقدير إنما يصار إليه عند الضرورة ( وكثر الناس ) أي : المؤمنون بالمدينة ، وصار ذلك الأذان الذي بين يدي الخطيب لا يسمعه جميع أهل المدينة . قال ابن حجر : أو لما ظهرت البدعة على ما قيل إنها أول البدع ، وهو ترك التكبير ، وهو الظاهر لاستبعاد سماع أهل المدينة جميعهم الأذان الذي بين يديه - عليه الصلاة والسلام - ( زاد ) أي : عثمان ( النداء الثالث ) أي : حدوثا ، وإن كان في الوقوع أولا ثم بعده أذان آخر قديما مع الإقامة في المفاتيح أي : فأمر عثمان أن يؤذن أول الوقت قبل أن يصعد الخطيب المنبر كما في زماننا اهـ .

وقد حدث في زماننا أذان رابع وهو الأذان لإعلام دخول الخطيب في المسجد ( على الزوراء ) بفتح الزاي وسكون الواو بالراء والمد : موضع في سوق المدينة . قال التوربشتي : ذكر تفسيرها في سنن ابن ماجه هي دار في سوق المدينة ، يقف المؤذنون على سطحها ، ولعل هذه الدار سميت زوراء لميلها عن عمارة البلد . يقال : قوس زوراء أي : مائلة ، وأرض زوراء أي : بعيدة ، نقله السيد وقيل : جدار ، وقيل : حجر كبير ، وجزم ابن بطال بالأخير فقال : الزوراء حجر كبير عند باب المسجد ، وفيه نظر لما في رواية ابن إسحاق عن الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجه بلفظ : زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها : الزوراء فكان يؤذن عليها . نقله ميرك عن الشيخ . قال ابن حجر : ثم نقل هشام هذا الأذان إلى المسجد . قال الطيبي : المراد بالنداء الثالث هو النداء قبل خروج الإمام ليحضر القوم ، ويسعوا إلى ذكر الله ، وإنما زاد عثمان ذلك لكثرة الناس فرأى هو أن يؤذن المؤذن قبل الوقت لينتهي الصوت إلى نواحي المدينة ، ويجتمع الناس قبل خروج الإمام ; لئلا يفوت عنهم أوائل الخطبة ، وسمي هذا النداء ثالثا ، وإن كان باعتبار الوقوع أولا ; لأنه ثالث النداءين اللذين كانا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمان الشيخين ، وهما الأذان بعد صعود الخطيب ، وقبل قراءة الخطبة ، وهو المراد بالنداء الأول والإقامة بعد فراغه من القراءة عند نزوله ، وهو المراد بالنداء الثاني اهـ .

وقوله : يؤذن المؤذن قبل الوقت مخالف لكلام بقية الشراح وعامة الفقهاء ، وعرف زماننا إلا أن يراد به قبل الوقت المعتاد ، وهو الذي بين يدي الإمام بعد طلوعه المنبر ، ويحمل على ما بعد الزوال فيزول الإشكال ، وأما ما جاء في رواية : كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة أي أذان وإقامة كما بينته رواية النسائي ، ثم ما روي أن ابن عمر كان يسميه بدعة قيل : إنه نظر إلى أن البدعة ما أحدث بعده - عليه الصلاة والسلام - ولو كان حسنا وإلا فما أحدثه عثمان أجمعوا عليه إجماعا سكوتيا ، ولا يعارض أن عثمان أحدث أذانا ، وإنما كان يأمر بالإعلام ، ويمكن الجمع بأن ما كان في زمن عمر من مجرد الإعلام استمر في زمن عثمان ، ثم رأى أن يجعله أذانا على مكان عال ، ففعل وأخذ الناس بفعله في جميع البلاد إذ ذاك ; لكونه خليفة مطاعا ، وقيل : أول من أحدثه بمكة الحجاج ، والبصرة زياد ، وأما الذي نقله بعض المالكية عن [ ص: 1042 ] ابن القاسم عن مالك : أنه في زمنه - عليه الصلاة والسلام - لم يكن بين يديه بل على المنارة ، ونقل ابن عبد البر عن مالك : أن الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم ، وما ذكره محمد بن إسحاق عن الطبراني وغيره في هذا الحديث : أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد فقد نازعه كثيرون ، ومنهم جماعة من المالكية بأن الأذان إنما كان بين يديه - عليه الصلاة والسلام - كما اقتضته رواية البخاري هذه اهـ .

وليس في رواية البخاري ما يقتضي شيئا من ذلك ، لكن يمكن الجمع بين القولين بأن الذي استقر في آخر الأمر هو الذي كان بين يديه - صلى الله عليه وسلم - أو بأن أذان بلال على باب المسجد كان إعلاما فيكون أصل إعلام عمر وعثمان ، ولعله ترك أيام الصديق أو أواخر زمنه - عليه الصلاة والسلام - أيضا ، فلهذا سماه عمر بدعة ، وتسميته تجديد السنة بدعة على منوال ما قال في التراويح نعمت البدعة هي ، هذا وقد . قال ابن الهمام : تعلق بالحديث بعض من نفى أن للجمعة سنة أي : قبلية ، فإنه من المعلوم أنه كان - عليه الصلاة والسلام - إذا رقي المنبر أخذ بلال في الأذان ، فإذا أكمله أخذ - عليه الصلاة والسلام - في الخطبة ، فمتى كانوا يصلون السنة ، ومن ظن أنهم إذا فرغ من الأذان قاموا فركعوا فهو من أجهل الناس ، وهذا مدفوع بأن خروجه - عليه الصلاة والسلام - كان بعد الزوال بالضرورة ; فيجوز كونه بعد ما كان يصلي الأربع وهم أيضا كانوا يعلمون الزوال إذ لا فرق بينهم وبين المؤذن في ذلك الزمان ; لأن اعتماده في دخول الوقت اعتمادهم اهـ .

وقد قال علماؤنا : إنه إذا أذن الأول تركوا البيع ، وسعوا لقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع . قال الطحاوي : إنما يجب السعي وترك البيع إذا أذن الأذان والإمام على المنبر ; لأنه الذي كان على عهده - عليه الصلاة والسلام - وزمن الشيخين وهو الأظهر ، لكن قال غيره : هو الأذان على المنارة الآن الذي أحدث في زمان عثمان . قال الشيمي : وهو الأصح ، واختاره شمس الأئمة اهـ .

ولعلهم أخذوا بعموم لفظ الآية مع قطع النظر عن كونه بين يديه - صلى الله عليه وسلم - أو نظرا إلى أن الواجب عليهم السعي ، وترك الشغل المانع قبل أذان الخطبة ; لئلا يفوتهم شيء فقدروا الأذان الأول الذي يقع أول الوقت ، ويؤيده الإجماع السكوتي ، والله أعلم . ( رواه البخاري ) . قال ميرك والأربعة : قال ابن همام : وفي رواية للبخاري زاد النداء الثاني ، أي باعتبار الأحداث . وفي رواية سمي بالأول باعتبار الوجود .




الخدمات العلمية