الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1048 ] 1416 - ( وعن كعب بن عجرة : أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا . فقال : انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا ، وقد قال تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . رواه مسلم ) .

التالي السابق


1416 - ( وعن كعب بن عجرة ) بضم العين ، وسكون الجيم ، نزل الكوفة ، ومات بالمدينة ، روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين ، ذكره المؤلف في الصحابة . ( أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم ) بفتحتين . قال الطيبي : أظنه من بني أمية . قلت : أو من أتباعهم . ( يخطب قاعدا فقال ) أي : كعب من غاية الغضب . ( انظروا إلى هذا الخبيث ) بعين العجب في ترك الأدب . قال ابن حجر : فيه جواز التغليظ على من ارتكب حراما عند من قال به أو مكروها عند غيره ; لأن إظهار خلاف ما داوم عليه - عليه الصلاة والسلام - على رءوس الأشهاد ينبئ عن خبث أي خبث . ( يخطب قاعدا ) وقال الله وفي نسخة صحيحة : وقد قال الله تعالى : ( وإذا رأوا ) أي : أبصروا أو عرفوا . ( تجارة ) أي : بيعا وشراء . ( أو لهوا ) أي : طبلا وصدا . ( انفضوا ) أي : تفرقوا . ( إليها ) أي : إلى التجارة وما ذكر معها ، فيكون من باب الاكتفاء ومراعاة أقرب المذكورين ، أو اختصت بالذكر ; لأنها المقصود الأعظم من الأمرين ، فإن الطبل إنما كان لإعلام مجيء أسباب التجارة ، وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالتصفيق . قال الطيبي : قوله قد قال الله حال مقررة لجهة الإنكار رأى كيف يخطب قاعدا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما ، بدليل قوله تعالى : وتركوك قائما ، وذلك أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء ، فقدم تجارة من زيت الشام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة قائما فتركوه قائما وما بقي معه إلا يسير اهـ . وهم ثمانية أو اثنا عشر وهو الصحيح لما في مسلم : عن جابر : أن الباقين اثنا عشر منهم : أبو بكر ، وعمر - رضي الله عنهم - وفي رواية قال عليه السلام : والذي نفس محمد بيده ، لو خرجوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا . واعلم أن من شرائط صحة أداء الجمعة الوقت ; فإنها لا تصح بعده بخلاف سائر الصلوات ، ووقتها وقت الظهر إجماعا ، ولا تجوز قبل الزوال إلا في قول أحمد بن حنبل ، ولا بعد دخول وقت العصر خلافا لمالك ، ومن شروطها الخطبة وعليه الجمهور ، وشرطها كونها في الوقت ، ولا تصح قبله ، وأن تكون بحضرة الجماعة ، وركنها مطلق ذكر الله بنيتها عند أبي حنيفة ، وعندهما ذكر طويل يسمى خطبة ، وواجبها كونها مع الطهارة ، والقيام ، وستر العورة ، وسنتها : كونها خطبتين بجلسة بينهما ، يشتمل كل منهما على الحمد والتشهد ، أي : لفظ الشهادة ، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والأولى على تلاوة آية والوعظ ، والثانية على الدعاء للمؤمنين بدل الوعظ ، وهذه كلها عند الشافعي - رحمه الله - أركان فلو قال : الحمد لله ، أو سبحان الله ، أو لا إله إلا الله ، ونحو ذلك أجزأ إن كان على قصد الخطبة عند أبي حنيفة كذا في شرح المنية .

قال ابن الهمام : فالقيام فيها أفضل ; لأنه أبلغ في الإعلام إذا كان أنشر للصوت فكانت مخالفته مكروهة . قال : ولم يحكم هو أي : كعب ، ولا غيره بفساد تلك الصلاة فعلم أنه ليس بشروط عندهم أي : عند الصحابة والتابعين ، فيكون كالإجماع .

قال صاحب الهداية لأبي حنيفة : قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله من غير تفصيل بين كونه ذكرا طويلا يسمى خطبة ، أو ذكرا لا يسمى خطبة ، فكان الشرط الذكر الأعم بالقاطع غير أن المأثور عنه - عليه الصلاة والسلام - اختيار أحد الفردين أعني الذكر المسمى بالخطبة والمواظبة عليه ، فكان ذلك واجبا أو سنه ، لا أنه الشرط الذي لا يجزئ غيره ; إذ لا يكون بيانا لعدم الإجمال في لفظ الذكر ، وقد علم وجوب تنزيل المشروعات على حسب أدلتها ، فهذا الوجه يغني عن قصة عثمان ، فإنها لم تعرف في كتب الحديث بل في كتب الفقه ، وهي أنه لما خطب في أول جمعة ولي الخلافة صعد المنبر فقال : الحمد لله فارتج عليه ، فقال : إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا ، وأنتم إلى إمام فعال أحوج إلى إمام قوال ، وستأتيكم الخطب بعد ، وأستغفر الله لي ولكم ، ونزل وصلى بهم ، ولم ينكر عليه أحد منهم ، فكان إجماعا منهم إما على عدم اشتراطها ، وإما على كون نحو الحمد لله ونحوها يسمى خطبة لغة ، وإن لم يسم عرفا ، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام : للذي قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، بئس الخطيب أنت ، فسماه خطيبا بهذا القدر من الكلام ، والخطاب القرآني إنما تعلقه باعتبار المفهوم اللغوي ; لأن الخطاب مع أهل تلك اللغة بلغتهم يقتضي ذلك ، ولأن هذا العرف إنما يعتبر في محاورات الناس بعضهم لبعض للدلالة على غرضهم ، فأما في أمر بين العبد وربه تعالى فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة اهـ . كلام المحقق . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية