الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  60 2 - حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار ! مرتين أو ثلاثا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة ، وهي في قوله " فنادى بأعلى صوته " ، وهو رفع الصوت .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 8 ] بيان رجاله : وهم خمسة ; الأول : أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أبو عوانة - بفتح العين المهملة - الوضاح اليشكري ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أبو بشر - بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة - جعفر بن إياس اليشكري المعروف بابن أبي وحشية الواسطي ، وقيل البصري ، قال أحمد ويحيى وأبو حاتم : ثقة . وقال ابن سعد : ثقة ، كثير الحديث . مات سنة أربع وعشرين ومائة ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : يوسف بن ماهك بن بهزاد - بكسر الباء الموحدة ، وقيل بضمها أيضا ، والأول أصح ، وبالزاي المعجمة - الفارسي المكي ، نزلها ، سمع ابن عمر وابن عمرو وعائشة وغيرها ، وسمع أباه ماهك ، قال يحيى : ثقة . توفي سنة ثلاث عشرة ومائة ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  ويوسف فيه ستة أوجه ، وقد ذكرناها . وماهك - بفتح الهاء غير منصرف ; لأنه اسم أعجمي علم ، وفي رواية الأصيلي منصرف ، وقال بعضهم : فكأنه لحظ فيه الوصف ، ولم يبين ماذا الوصف . وقد أخذ هذا من كلام الكرماني ; فإنه قال : فإن قلت : العجمة والعلمية فيه عقب قول الأصيلي إنه منصرف ! قلت : شرط العجمة مفقود ، وهو العلمية في العجمية ; لأن ماهك معناه القمير ، فهو إلى الوصف أقرب .

                                                                                                                                                                                  قلت : كل منهما لم يحقق كلامه ، والتحقيق فيه أن من يمنعه الصرف يلاحظ فيه العلمية والعجمة ; أما العلمية فظاهر ، وأما العجمة فإن ماهك بالفارسية تصغير ماه وهو القمر بالعربي ، وقاعدتهم أنهم إذا صغروا الاسم أدخلوا في آخره الكاف . وأما من يصرفه فإنه يلاحظ فيه معنى الصفة ; لأن التصغير من الصفات ، والصفة لا تجامع العلمية لأن بينهما تضادا ، فحينئذ يبقى الاسم بعلة واحدة فلا يمنع من الصرف .

                                                                                                                                                                                  ولو جوز الكسر في الهاء يكون عربيا صرفا فلا يمنع من الصرف أصلا ; لأنه حينئذ يكون اسم فاعل من مهكت الشيء أمهكه مهكا إذا بالغت في سحقه - قاله ابن دريد ، وفي العباب : مهكت الشيء إذا ملسته . أو يكون من مهكة الشباب بالضم ، وهو امتلاؤه وارتواؤه ونماؤه . وذكر الصغاني هذه المادة ، ثم قال عقيبها : ويوسف بن ماهك من التابعين الثقات ، ويمكن أن يقال إنه عربي مع كون الهاء مفتوحة بأن يكون علما منقولا من ماهك ، وهو فعل ماض من المماهكة وهو الجهد في الجماع من الزوجين ، فعلى هذا لا يجوز صرفه أصلا للعلمية ووزن الفعل .

                                                                                                                                                                                  وقال الدارقطني : ماهك اسم أمه ، والأكثر على أنه اسم أبيه ، واسم أمه مسيكة . وعن علي بن المديني أن يوسف بن ماهك ويوسف بن ماهان واحد ، قلت : فعلى قول الدارقطني يمنع من الصرف أصلا للعلمية والتأنيث ، فافهم !

                                                                                                                                                                                  الخامس : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث والعنعنة ، ومنها أن رواته ما بين بصري وواسطي ومكي ، ومنها أن في رواية كريمة عن المستملي " حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل " واقتصر غيره على أبي النعمان .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري ها هنا عن أبي النعمان ، وفي العلم أيضا عن مسدد وفيه " وقد أرهقتنا الصلاة صلاة العصر " ، وفي الطهارة عن موسى بن إسماعيل وفيه " فأدركنا وقد أرهقتنا العصر " . وأخرجه مسلم في الطهارة عن شيبان بن فروخ وأبي كامل الجحدري عن أبي عوانة ، وأخرجه النسائي في العلم عن أبي داود الحراني عن أبي الوليد عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن المبارك عن أبي عوانة عن أبي بشر عنه ، وأخرجه الطحاوي عن أحمد بن داود المكي عن سهل بن بكار عن أبي عوانة - به .

                                                                                                                                                                                  بيان اللغات : قوله " تخلف " ; أي تأخر خلفنا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأدركنا " ; أي لحق بنا .

                                                                                                                                                                                  قوله " وقد أرهقتنا الصلاة " ; أي غشيتنا الصلاة ، أي حملتنا الصلاة على أدائها ، وقيل : قد أعجلتنا لضيق وقتها . وقال القاضي : ومنه المراهق - بالفتح - في الحج ، ويقال بالكسر ، وهو الذي أعجله ضيق الوقت أن يطوف ، وفي الموعب : قال أبو زيد رهقتنا الصلاة - بالكسر - رهوقا حانت ، وأرهقنا عن الصلاة إرهاقا : أخرناها عن وقتها . وقال صاحب العين : استأخرنا عنها حتى يدنو وقت الأخرى ، ورهقت الشيء رهقا أي دنوت منه . وفي المحكم : أرهقنا الليل دنا منا ، ورهقتنا الصلاة رهقا حانت ، وفي رهقتنا الصلاة غشيتنا .

                                                                                                                                                                                  وفي الاشتقاق للرماني : أصل الرهق الغشيان - وكذا قاله الزجاج ، وقال أبو النصر : رهقني دنا مني . وقال ابن الأعرابي : رهقته وأرهقته بمعنى دنوت منه . وقال الجوهري : رهقه - بالكسر - يرهقه رهقا أي غشيه ، قال الله تعالى : ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة وقال أبو زيد : أرهقه عسرا إذا كلفه إياه ، يقال : لا ترهقني لا أرهقك ; أي لا تعسرني لا أعسرك . وقيل في قوله تعالى ولا ترهقني من أمري عسرا أي لا تلحق بي ، من قولهم رهقه الشيء إذا غشيه ، وقيل : لا تعجلني ، ويجيء على قول أبي زيد : لا تكلفني .

                                                                                                                                                                                  قوله " ويل " يقابل ويح ، [ ص: 9 ] ويقال لمن وقع فيما لا يستحقه ترحما عليه .

                                                                                                                                                                                  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ويل واد في جهنم ، لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره . وقيل : ويل صديد أهل النار . قلت : ويل من المصادر التي لا أفعال لها ، وهي كلمة عذاب وهلاك .

                                                                                                                                                                                  قوله " للأعقاب " جمع عقب مثال كبد ، وهو المستأخر الذي يمسك مؤخر شراك النعل . وقال أبو حاتم : عقب وعقب مثال كبد وصفر ، وهي مؤنثة ، ولم يكسروا العين كما في كبد وكتف . وقال النضر بن شميل : العقب يكون في المتن والساقين مختلط باللحم ، يمشق منه مشقا ويهذب وينقى من اللحم ، ويسوى منه الوتر . وأما العصب فالعلياء الغليظ ، ولا خير فيه . وقال الليث : العقب مؤخر القدم ، فهو من العصب لا من العقب . وقال الأصمعي : العقب ما أصاب الأرض مؤخر الرجل إلى موضع الشراك . وفي المخصص : عرش القدم أصول سلامياتها المنتشرة القريبة من الأصابع ، وعقبها مؤخرها الذي يفصل عن مؤخر القدم ، وهو موقع الشراك من خلفها .

                                                                                                                                                                                  بيان الإعراب : قوله " تخلف " فعل ، وفاعله النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله " في سفرة " في محل النصب على الحال .

                                                                                                                                                                                  قوله " سافرناها " جملة في محل الجر على أنها صفة لسفرة ، والضمير المنصوب فيه وقع مفعولا مطلقا ; أي سافرنا تلك السفرة ، وذلك نحو قولهم : زيدا أظنه منطلق - أي زيد ينطلق أظن الظن أو ظنا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأدركنا " بفتح الكاف ، جملة من الفعل والفاعل - وهو الضمير المرفوع فيه - والمفعول وهو قوله " نا " .

                                                                                                                                                                                  قوله " وقد أرهقتنا الصلاة " جملة وقعت حالا ، قال عياض : روي برفع الصلاة على أنها الفاعل ، وروي " أرهقنا الصلاة " بالنصب على أنها مفعول ; أي أخرنا الصلاة . قلت : روي في وجه الرفع وجهان أيضا ; أحدهما " أرهقتنا " بتأنيث الفعل بالنظر إلى لفظ " الصلاة " ، والآخر " أرهقنا " بدون التاء لأن تأنيث " الصلاة " غير حقيقي .

                                                                                                                                                                                  قوله " ونحن نتوضأ “ جملة اسمية وقعت حالا .

                                                                                                                                                                                  قوله " فجعلنا " هو من أفعال المقاربة ، ويستعمل استعمال كاد وهو أنه يرفع الاسم ، وخبره فعل مضارع بغير أن متأول باسم الفاعل ، نحو كاد زيد يخرج - أي خارجا . وإنما ترك أن مع كاد وأثبت مع عسى لأن كاد أبلغ في تقريب الشيء من الحال ، ألا ترى أنك إذا قلت كادت الشمس تغرب - كان المعنى قرب غروبها جدا ، وعسى أذهب في الدلالة على الاستقبال ، ألا ترى تقول عسى الله أن يدخلني الجنة ! وإن لم يكن هذا شديد القرب من الحال ، فلما كان الأمر على ذا حذف علم الاستقبال مع كاد وأثبت مع عسى . وقد شبهه بعسى من قال : قد كان من طول البلاء أن يمصحا . ثم قوله " نا " في " فجعلنا " اسم جعل ، وقوله " نمسح " خبره .

                                                                                                                                                                                  قوله " ويل " مرفوع على الابتداء ، والمخصص كونه مصدرا في معنى الدعاء كما في " سلام عليكم " ، وخبره قوله " للأعقاب " .

                                                                                                                                                                                  قوله " من النار " ، كلمة " من " للبيان كما في قوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان ويجوز أن تكون بمعنى في كما في قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي في يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                  قوله " مرتين " تثنية مرة ، وتجمع على مرات ، وانتصاب كلها على الظرفية .

                                                                                                                                                                                  قوله " أو ثلاثا " شك من عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                                                                                  بيان المعاني : قوله " تخلف عنا النبي عليه السلام في سفرة " ، هذه السفرة قد جاءت مبينة في بعض طرق روايات مسلم : " رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، حتى إذا كنا في الطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال ، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال النبي عليه السلام : ويل للأعقاب من النار ! أسبغوا الوضوء " .

                                                                                                                                                                                  قوله " وقد أرهقتنا الصلاة " ، وهي صلاة العصر على ما جاء في رواية مسلم مصرحة ، وكذا في رواية البخاري من طريق مسدد على ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                  قوله " ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا " ، قال القاضي عياض : معناه نغسل كما هو المراد في الآية بدليل تباين الروايات ، وليس معناه ما أشار إليه بعضهم أنه دليل على أنهم كانوا يمسحون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرهم بالغسل . وقالوا أيضا : لو كان غسلا لأمرهم بالإعادة لما صلوا - وهذا لا حجة فيه لقائله ; لأنه عليه السلام قد أعلمهم بأنهم مستوجبون النار على فعلهم بقوله " ويل للأعقاب من النار ! " ، وهذا لا يكون إلا في الواجب ، وقد أمرهم بالغسل بقوله " أسبغوا الوضوء " ، ولم يأت أنهم صلوا بهذا الوضوء ولا أنها كانت عادتهم قبل فيلزم أمرهم بالإعادة .

                                                                                                                                                                                  وقال الطحاوي ما ملخصه أنهم كانوا يمسحون عليها مثل مسح الرأس ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعهم عن ذلك وأمرهم بالغسل ، فهذا يدل على انتساخ ما كانوا يفعلونه من المسح ، وفيه نظر ; لأن قوله " نمسح على أرجلنا " يحتمل أن يكون معناه نغسل غسلا خفيفا مبقعا حتى يرى كأنه مسح ، والدليل عليه ما في الرواية الأخرى " رأى قوما توضؤوا وكأنهم تركوا من أرجلهم شيئا " ، فهذا يدل على أنهم كانوا يغسلون ولكن غسلا قريبا من المسح ، فلذلك قال لهم : أسبغوا الوضوء ! وأيضا إنما يكون الوعيد على ترك الفرض ، ولو لم يكن الغسل في الأول [ ص: 10 ] فرضا عندهم لما توجه الوعيد ; لأن المسح لو كان هو المشمول فيما بينهم كان يأمرهم بتركه وانتقالهم إلى الغسل بدون الوعيد ، ولأجل ذلك قال القاضي عياض : معناه نغسل - كما ذكرناه آنفا .

                                                                                                                                                                                  والصواب أن يقال : إن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء ووعيده وإنكاره عليهم في ذلك الغسل يدل على أن وظيفة الرجلين هو الغسل الوافي لا الغسل المشابه بالمسح كغسل هؤلاء ، وقول عياض : وقد أمرهم بالغسل بقوله " أسبغوا الوضوء " - غير مسلم ; لأن الأمر بالإسباغ أمر بتكميل الغسل ، والأمر بالغسل فهم من الوعيد ; لأنه لا يكون إلا في ترك واجب ، فلما فهم ذلك من الوعيد أكده بقوله " أسبغوا الوضوء ! " ، ولهذا ترك العاطف فوقع هذا تأكيدا عاما يشمل الرجلين وغيرهما من أعضاء الوضوء ; لأنه لم يقل أسبغوا الرجلين ، بل قال " أسبغوا الوضوء " ، والوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس ، ومطلوبية الإسباغ غير مختصة بالرجلين ، فكما أنه مطلوب فيهما فكذلك مطلوب في غيرهما .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : لم ذكر الإسباغ عاما والوعيد خاصا ؟ قلت : لأنهم ما قصروا إلا في وظيفة الرجلين ، فلذلك ذكر لفظ الأعقاب ، فيكون الوعيد في مقابلة ذلك التقصير الخاص .

                                                                                                                                                                                  بيان استنباط الأحكام ; الأول : فيه دليل على وجوب غسل الرجلين في الوضوء ; لأن المسح لو كان كافيا لما أوعد من ترك غسل العقب بالنار ، وسيأتي الكلام فيه في بابه مستوفى .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر وأن ترك البعض منها غير مجزئ .

                                                                                                                                                                                  الثالث : تعليم الجاهل وإرشاده .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أن الجسد يعذب ، وهو مذهب أهل السنة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : جواز رفع الصوت في المناظرة بالعلم .

                                                                                                                                                                                  السادس : أن العالم ينكر ما يرى من التضييع للفرائض والسنن ، ويغلظ القول في ذلك ويرفع صوته للإنكار .

                                                                                                                                                                                  السابع : تكرار المسألة تأكيدا لها ومبالغة في وجوبها ، وسيأتي ذكره في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم .

                                                                                                                                                                                  الأسئلة والأجوبة : منها ما قيل أن الرجل له رجلان وليس له أرجل ، فالقياس أن يقال : على رجلينا . أجيب بأن الجمع إذا قوبل بالجمع يفيد التوزيع ، فتوزع الأرجل على الرجال .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : فعلى هذا يكون لكل رجل رجل ! أجيب بأن جنس الرجل يتناول الواحد والاثنين ، والعقل يعين المقصود سيما فيما هو محسوس .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : إن المسح على ظهر القدم لا على الرجل كلها ! أجيب بأنه أطلق الرجل وأريد البعض ; أي ظهر القدم ، ولقرينة العرف الشرعي إذ المعهود مسح ذلك - وهذا فيه نظر ; لأنهم ما كانوا يمسحون مثل مسح الرأس ، وإنما كانوا يغسلون ولكن غسلا خفيفا ، فلذلك أطلقوا عليه المسح ، وقد حققناه عن قريب .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : لم خص الأعقاب بالعذاب ؟ أجيب : لأنها العضو التي لم تغسل ، وفي الغريبين : وفي الحديث " ويل للعقب من النار " أي لصاحب العقب المقصر عن غسلها ، كما قال : واسأل القرية أي أهل القرية . وقيل : إن العقب يخص بالمؤلم من العقاب إذا قصر في غسلها . وفي المنتهى في اللغة : وفي الحديث " ويل للأعقاب من النار " أراد التغليظ في إسباغ الوضوء ، وهو التكميل والإتمام ، والسبوغ الشمول .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : ما الألف واللام في الأعقاب ؟ أجيب بأنها للعهد ; أي الأعقاب التي رآها كذلك لم تمسها الماء ، أو يكون المراد : الأعقاب التي صفتها هذه لا كل الأعقاب .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : إن اللام للاختصاص النافع ; إذ المشهور أن اللام تستعمل في الخير وعلى في الشر نحو لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وأجيب بأنها للاختصاص ها هنا ، نحو وإن أسأتم فلها ونحو ولهم عذاب أليم قلت : وقد تستعمل اللام في موضع على ، وقالوا : إن اللام في وإن أسأتم فلها بمعنى عليها .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : كيف أخرت الصحابة رضي الله عنهم الصلاة عن الوقت الفاضل ؟ أجيب بأنهم إنما أخروها عنه طمعا أن يصلوها مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لفضل الصلاة معه ، فلما خافوا الفوات استعجلوا فأنكر عليهم النبي عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل : روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " رأى رجلا لم يغسل عقبه ، فقال : ويل للأعقاب من النار ! " ، وكذلك حديث مسلم عن عبد الله بن عمرو الذي مضى ذكره عن قريب ، وفيه " فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال عليه الصلاة والسلام : ويل للأعقاب من النار " .

                                                                                                                                                                                  وهذان الحديثان تصريح بأن الوعيد وقع على عدم استيعاب الرجل بالماء ، وحديث البخاري يدل على أن المسح لا يجزئ عن الغسل في الرجل ، وأجيب بأنه ترد الأحاديث إلى معنى واحد ، ويكون معنى قوله " لم يمسها الماء " أي بالغسل وإن مسها بالمسح ، فيكون الوعيد وقع على [ ص: 11 ] الاقتصار على المسح دون الغسل . قلت : هذا الجواب يؤيد ما قاله الطحاوي الذي ذكرناه عن قريب ، وهو لا يخلو عن نظر ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية