الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع لم يحنث ، وإن سجد مع ذلك ثم قطع حنث ) والقياس أن يحنث بالافتتاح اعتبارا بالشروع في الصوم . وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة عن الأركان المختلفة ، فما لم يأت بجميعها لا يسمى صلاة ، بخلاف الصوم لأنه ركن واحد وهو الإمساك ويتكرر في الجزء الثاني [ ص: 188 ] ( ولو حلف لا يصلي صلاة لا يحنث ما لم يصل ركعتين ) لأنه يراد به الصلاة المعتبرة شرعا وأقلها ركعتان للنهي عن البتيراء .

التالي السابق


( قوله ولو حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع ثم قطع لم يحنث والقياس ) يعني على الصوم ( أن يحنث بالافتتاح وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة عن أفعال مختلفة فما لم يأت بها لا تسمى صلاة ) يعني لم يوجد تمام حقيقتها والحقيقة تنتفي بانتفاء الجزء ( بخلاف الصوم لأنه ركن واحد وهو الإمساك ويتكرر بالجزء الثاني ) ولذا قال الفقيه أبو الليث : لا فرق بينهما في الحاصل ; لأن ما بعد صوم ساعة مكرر من جنس ما مضى فصار صوم ساعة كالصلاة ركعة ، يعني لأنه يجتمع فيها تمام الحقيقة ، ثم قال المصنف ( وإن سجد مع ذلك ) يعني الركوع وما قبله ( ثم قطع حنث ) ويشكل عليه ما ذكر التمرتاشي : حلف لا يصلي يقع على الجائز كما تقدم فلا يحنث بالفاسد إلا إذا كان اليمين في الماضي : أي حلف ما صليت وكان قد صلى فاسدة لأن الصلاة الماضية يراد الخبر عنها لا التقرب بها ويصح الخبر عن الفاسدة ، اللهم إلا أن يراد بالفاسدة أن تكون بغير طهارة ويكون ما في الذخيرة بيانا له وهو قوله : لو حلف لا يصلي فصلى صلاة فاسدة بأن صلى بغير طهارة مثلا لا يحنث استحسانا ; لأن مطلق الاسم ينصرف إلى الكامل وهو ما به حصول الثواب وسقوط الفرض . قال : ولو نوى الفاسدة صدق ديانة وقضاء لأن الفاسد صلاة صورة ، وإطلاق الاسم على صورته مجازا جائز فقد نوى ما يحتمله لفظه وفيه تغليظ على نفسه ، ومع هذا يحنث بالصحيحة أيضا ، وليس في هذا الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وإنما طريقه أن في الصحيح ما في الفاسدة وزيادة على شرط الحنث فلا يمنع الحنث ، ولو كان عقد يمينه على الماضي بأن قال : إن كنت صليت فهي على الجائزة والفاسدة ثم فرق بين لا أصلي ولا أصلي صلاة حيث يحنث بركعة فقال : وفي صورة : حذف المفعول المنفي فعل الصلاة لا كون المفعول صلاة ، وذلك يحصل بالركعة ، إلا أنه إذا قطعها بعد ذلك فقد انتقض فعل الصلاة ولكن بعد صحته ، والانتقاض إنما يظهر في حكم يقبل الانتقاض ، والحنث بعد تحققه لا يقبل الانتقاض فظهر من كلامه هذا أن المراد من الفاسدة هي التي لم يوصف منها شيء بوصف الصحة في وقت بأن يكون ابتداء الشروع غير صحيح ، وعليه يحمل ما أوردناه في الصوم ويرتفع الإشكال هناك أيضا . وأورد أن من أركان الصلاة القعدة وليست في الركعة الواحدة [ ص: 188 ] فيجب أن لا يحنث بها . وأجيب بأن القعدة موجودة بعد رفع رأسه من السجدة ، وهذا أولا مبني على توقف الحنث على الرفع منها وفيه خلاف المشايخ . والحق أنه يتفرع على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد في ذلك . ومرت المسألة في سجود السهو . والأوجه أن لا يتوقف لتمام حقيقة السجود بوضع بعض الوجه على الأرض . ثم لو سلم فليست تلك القعدة هي الركن . والحق أن الأركان الحقيقية هي الخمسة ، والقعدة ركن زائد على ما تحرر ، وإنما وجبت للختم فلا تعتبر ركنا في حق الحنث ( قوله ولو حلف لا يصلي صلاة لم يحنث ما لم يصل ركعتين لأنه يراد بها الصلاة المعتبرة شرعا ) على الوجه الذي قررناه في لا يصوم صوما ( وأقل المعتبر شرعا صلاة ركعتين للنهي عن البتيراء ) نهيا يمنع الصحة لو فعلت . ومن فروع هذه المسألة ما في الذخيرة قال لعبده : إن صليت ركعة فأنت حر فصلى ركعة ثم تكلم لا يعتق . ولو صلى ركعتين عتق بالركعة الأولى لأنه في الصورة الأولى ما صلى ركعة لأنها بتيراء بخلاف الثانية . وهذه المسألة مذكورة في نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف ، فقال بعض المتأخرين : تبين بهذه أن المذكور في الجامع قول محمد : يعني وحده وهو غير لازم ، فإن المذكور عن أبي يوسف : حلف لا يصلي ركعة وصلاة الركعة حقيقة دون مجرد الصورة لا يتحقق إلا بضم أخرى إليها . والمذكور في الجامع : حلف لا يصلي ولم يقل ركعة ، والبتيراء تصغير البتراء تأنيث الأبتر وهو في الأصل مقطوع الذنب ثم صار يقال للناقص . وفي البيع يحنث بالفاسد بخلاف النكاح والفرق غير خاف . ثم إذا حلف لا يصلي صلاة فهل يتوقف حنثه على قعوده قدر التشهد بعد الركعتين ؟ اختلفوا فيه ، والأظهر أنه إن عقد يمينه على مجرد الفعل وهو إذا حلف لا يصلي صلاة يحنث قبل القعدة لما ذكرته ، وإن عقدها على الفرض كصلاة الصبح أو ركعتي الفجر ينبغي أن لا يحنث حتى يقعد . [ فروع ] حلف لا يؤم أحدا فصلى فجاء ناس واقتدوا به فقال نويت أن لا أؤم أحدا صدق ديانة لا قضاء إلا إن أشهد أني إنما أصلي لنفسي ، وكذا لو صلى هذا الحالف الجمعة بالناس ونوى أن يصلي لنفسه الجمعة جازت الجمعة استحسانا لأن الشرط فيها الجماعة وقد وجد وحنث قضاء لا ديانة . وينبغي إذا أمهم في صلاة الجنازة أن يكون كالأول إن أشهد صدق فيهما وإلا ففي الديانة . ولو قال ما صليت اليوم صلاة يريد في جماعة صحت نيته لأنها ناقصة والمطلق ينصرف إلى الكامل . ولو قال ما صليت اليوم الظهر يريد في جماعة ، قال محمد : لا تسعه النية في هذا ، بخلاف ما إذا صلى الظهر في السفر ثم قاله بمعنى ظهر مقيم وسعته فيما بينه وبين الله تعالى . وفي ما أخرت صلاة عن وقتها وقد نام فقضاها ، اختلفوا بناء على أن وقت التذكر وقتها بالحديث فيصح أولا بل ينصرف إلى الوقت الأصلي .




الخدمات العلمية