الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                [ ص: 155 ] 1805 1806 1807 1808 ص: حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر ، قال: ثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي لبيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: " ، أن معاوية بن أبي سفيان ، قال وهو على المنبر لكثير بن الصلت: : اذهب إلى عائشة - رضي الله عنها - فاسألها عن ركعتي النبي - عليه السلام - بعد العصر، قال أبو سلمة: : فقمت معه، وقال ابن عباس: - رضي الله عنه - لعبد الله ابن الحارث: : اذهب معه. فجئناها فسألناها، فقالت: لا أدري، سلوا أم سلمة، فسألناها، فقالت: دخل علي النبي - عليه السلام - ذات يوم بعد العصر، فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، ما كنت تصلي هاتين الركعتين؟! فقال: قدم علي وفد من بني تميم -أو جاءتني صدقة- فشغلوني عن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر، وهما هاتان".

                                                حدثنا الحجاج بن عمران بن الفضل البصري ، قال: ثنا يوسف بن موسى القطان ، قال: ثنا أبو أسامة ، قال: ثنا الوليد بن كثير ، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان: " ، أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها عن السجدتين بعد العصر، فقالت: ليس عندي صلاهما، ولكن أم سلمة حدثتني أنه صلاهما عندها، فأرسل إلى أم سلمة، فقالت: صلاهما رسول الله - عليه السلام - عندي، لم أره صلاهما قبل ولا بعد، فقلت: يا رسول الله، ما سجدتان رأيتك صليتهما بعد العصر ما صليتهما قبل ولا بعد؟! فقال: هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر، فقدم علي قلائص من الصدقة، فنسيتهما حتى صليت العصر ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني، فصليتهما عندك". .

                                                حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش ، قال: ثنا أبو الوليد ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ، عن ذكوان ، عن عائشة، ، عن أم سلمة - رضي الله عنهما -: " أن النبي - عليه السلام - صلى في بيتها ركعتين بعد العصر، فقلت: يا رسول الله، ما هاتان الركعتان؟! فقال: كنت أصليهما بعد الظهر، فجاءني مال فشغلني، فصليتهما الآن".

                                                [ ص: 156 ] حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال: ثنا عبد الله بن صالح ، قال: ثنا بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير ، أن كريبا مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - حدثه: "أن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة فقالوا: أقرئها السلام منا جميعا، وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن رسول الله - عليه السلام - نهى عنهما؟ قال ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر - رضي الله عنه - عليهما. قال كريب: : فدخلت عليها فبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة. فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت أم سلمة: سمعت النبي - عليه السلام - ينهى عنهما ثم رأيته صلاهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي إلى جنبه فقولي: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله، ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما؟! فإن أشار بيده فاستأخري عنه، ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قوم فشغلوني عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان".

                                                التالي السابق


                                                ش: قال أبو جعفر -رحمه الله-: ففي هذه الآثار أو في بعضها: أن عائشة - رضي الله عنها - لما سئلت عما حكي عنها مما ذكرناه في الفصل الأول أن النبي - عليه السلام - لم يكن يأتيها في بيتها بعد العصر إلا صلى ركعتين، أضافت ذلك إلى أم سلمة - رضي الله عنها - فانتفت بذلك الآثار الأول كلها المروية عن عائشة - رضي الله عنها - فلما سئلت عن ذلك أم سلمة - رضي الله عنها - أخبرت أنها قد كانت سمعت النبي - عليه السلام - ينهى عنهما، ووافقها في ذلك ابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن أزهر، إلا أنهم ذكروا ذلك بلاغا يحيى بن أبي زياد أبي محمد البصري، ختن أبي عوانة، شيخ البخاري .

                                                [ ص: 157 ] عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، عن قتادة ، عن أبي العالية الرياحي رفيع بن مهران البصري، أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي - عليه السلام - بسنتين روى له الجماعة.

                                                وأخرجه البخاري : ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا هشام ، عن قتادة ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في لفظه: "حتى تشرق الشمس" موضع "حتى تطلع".

                                                الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري البصري ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير ، عن منصور بن زاذان ، عن قتادة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا داود بن رشيد وإسماعيل بن سالم، جميعا عن هشيم -قال داود: ثنا هشيم- قال: أنا منصور ، عن قتادة، قال: نا أبو العالية ، عن ابن عباس قال: "سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله - عليه السلام - منهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان أحبهم إلي - أن رسول الله - عليه السلام - نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس".

                                                وأخرجه الترمذي : عن أحمد بن منيع ، عن هشيم ... إلى آخره نحوه، وقال: حديث حسن صحيح.

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم شيخ أبي داود ، عن أبان بن يزيد العطار ، عن قتادة ، عن أبي العالية .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا مسلم بن إبراهيم، نا أبان ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس قال: "شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر بن الخطاب -

                                                [ ص: 158 ] وأرضاهم عندي عمر - رضي الله عنه - أن نبي الله - عليه السلام - قال: لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس".


                                                قوله: "شهد عندي رجال" معناه بينوا لي وأعلموني به، قال تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو قال الزجاج: معناه: بين.

                                                قوله: "مرضيون" صفة للرجال، وأراد بها أنهم عدول مقبول قولهم.

                                                قوله: "وأرضاهم" أفعل من الرضى، وأراد به المبالغة في الثناء على عمر - رضي الله عنه - وكيف وهو أعدل الناس وأزكاهم بعد النبي - عليه السلام - وأبي بكر - رضي الله عنه -.

                                                وقد اختلف العلماء في تأويل نهيه - عليه السلام - عن الصلاة بعد الصبح والعصر، قال أبو طلحة: "المراد بذلك كل صلاة". ولا يثبت ذلك عنه.

                                                وقال ابن حزم: إن قوما لم يروا الصلاة أصلا في هذين الوقتين.

                                                وقال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها.

                                                وقال أصحابنا : لا بأس بأن تصلى في هذين الوقتين الفوائت وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة; لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به لا لمعنى في الوقت فلم يظهر في حق الفرائض وفيما وجب بعينه كسجدة التلاوة، وكذا صلاة الجنازة; لأنها ليست بموقوفة على فعل للعبد، ولكن يظهر في حق المنذور; لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته، وفي حق ركعتي الطواف، وفي الذي شرع فيه ثم أفسده; لأن الوجوب لغيره وهو ختم الطواف وصيانة المؤدى.

                                                فإن قيل: شغل الوقت كله تقديري وأداء النفل تحقيقي.

                                                قلت: الفرض التقديري أقوى من النفل الحقيقي، ولا يظهر النهي في حق مثله من الفرض.

                                                [ ص: 159 ] وقال ابن بطال: تواترت الأخبار والأحاديث عن النبي - عليه السلام - أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وكان عمر - رضي الله عنه - يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، فدل أن صلاته - عليه السلام - الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته. هكذا قال الماوردي وغيره: إنه من خصوصياته - عليه السلام -، وقد مر الكلام فيه.




                                                الخدمات العلمية