الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6299 51 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان . فأنزل الله تصديق ذلك إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية ، فدخل الأشعث بن قيس ، فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فقالوا : كذا وكذا ، قال : في أنزلت ، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بينتك أو يمينه ؟ قلت : إذا يحلف عليها يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة التي هي الآية الأولى ظاهرة ، وأبو عوانة بفتح العين المهملة وتخفيف الواو الوضاح اليشكري ، والأعمش سليمان ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وعبد الله هو ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في الشرب في باب الخصومة في البئر والقضاء فيها ، فإنه أخرجه هناك عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق إلى آخره ، ومر الكلام فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " على يمين صبر " بفتح الصاد المهملة وسكون الباء الموحدة وهي التي يلزم ويجبر عليها حالفها ، ويقال : هي أن يحبس السلطان رجلا على يمين حتى يحلف بها . يقال : صبرت يميني أي حلفت بالله ، وأصل الصبر الحبس ، ومعناه ما يجبر عليها .

                                                                                                                                                                                  وقال الداودي : معناه وأن يوقف حتى يحلف على رؤوس الناس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وهو فيها " الواو للحال ، " فاجر " أي كاذب ، كذا في رواية الأعمش فيها ، وفي رواية أبي معاوية عليها ، ووقع في رواية شعبة : على يمين كاذبا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يقتطع " حال ، وفي رواية حجاج بن منهال " ليقتطع " بزيادة لام التعليل ، ويقتطع يفتعل من القطع كأنه يقطعه عن صاحبه أو يأخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وهو عليه " الواو للحال ، وفي رواية مسلم : وهو عنه معرض ، وفي رواية أبي داود : إلا لقي الله وهو أجذم .

                                                                                                                                                                                  وفي حديث أبي أمامة بن ثعلبة عند مسلم والنسائي في نحو هذا الحديث : فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة . وفي حديث عمران عند أبي داود : فليتبوأ بوجهه مقعده من النار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فأنزل الله تصديق ذلك " أي تصديق قوله صلى الله عليه وسلم ، فإن قلت : قد تقدم في تفسير سورة آل عمران أنها نزلت فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبا ، قلت : يجوز أن تكون نزلت في الأمرين معا في وقت واحد واللفظ عام متناول للقضيتين ولغيرهما .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ " هو كنية عبد الله بن مسعود ، فإن قلت : هنا فدخل الأشعث بن قيس وفي رواية في كتاب الرهن ثم إن الأشعث بن قيس خرج إلينا ، فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قلت : الجمع بين الروايتين بأن يقال : إنه خرج عليهم من مكان كان فيه فدخل المكان الذي كانوا فيه ، فإن قلت : سيأتي في الأحكام في رواية الثوري عن الأعمش ومنصور جميعا : فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم ، قلت : التوفيق هنا أن يقال : إن خروج الأشعث من مكانه الذي كان فيه إلى المكان الذي كان فيه عبد الله وقع وعبد الله يحدثهم ، فلعل الأشعث تشاغل بشيء فلم [ ص: 196 ] يدرك بحديث عبد الله ، فسأل أصحابه بقوله : ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قوله : " فقالوا كذا وكذا " ، ويروى " قالوا " بدون الفاء ، وفي رواية جرير : فحدثناه يعني الأشعث ، وبين شعبة في روايته أن الذي حدثه بما حدثهم به عبد الله بن مسعود هو أبو وائل الراوي شقيق بن سلمة ، فإن قلت : قد مر في الأشخاص ، قال : فلقيني الأشعث بن قيس ، فقال : ما حدثكم عبد الله اليوم ؟ قلت : كذا وكذا ، قلت : ليس بين الروايتين منافاة لأنه إنما أفرده في هذه الرواية لكونه المجيب .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال : في أنزلت " أي قال الأشعث : في أنزلت هذه الآية ، وكلمة " في " بكسر الفاء وتشديد الياء ، قوله : " كانت لي بئر " كذا هو في رواية الكشميهني " كانت " بالتأنيث ، وفي رواية غيره " كان " بالتذكير .

                                                                                                                                                                                  قوله : " كانت لي بئر " في رواية أبي معاوية : أرض ، وادعى الإسماعيلي في الشرب أن أبا حمزة تفرد بقوله : " في بئر " ، وليس كما قال ، فقد وافقه أبو عوانة كما ترى .

                                                                                                                                                                                  وكذا وقع عند أحمد من رواية عاصم عن شقيق في بئر ، ووقع في رواية جرير عن منصور في شيء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ابن عم لي " كذا وقع للأكثرين أن الخصومة كانت في بئر يدعيها الأشعث في أرض لخصمه ، فإن قلت : في رواية أبي معاوية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ، قلت : المراد أرض البئر لا جميع الأرض التي من جملتها أرض البئر ، ولا منافاة بين قوله : " ابن عم لي " وبين قوله : " من اليهود " لأن جماعة من أهل اليمن كانوا يهودا ، ولما غلب يوسف ذو نواس على اليمن وطرد عنها الحبشة فجاء الإسلام وهم على ذلك .

                                                                                                                                                                                  وقد أخرج الطبراني من طريق الشعبي عن الأشعث قال : خاصم رجل من الحضرميين رجلا منا يقال له الخفشيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمخضرم : جئ بشهودك على حقك وإلا حلف لك . . الحديث .

                                                                                                                                                                                  وهذا مخالف لسياق ما في الصحيح ، فإن كان ثابتا حمل على تعدد القضية ، قوله : " بينتك " بالنصب أي أحضر أو اطلب بينتك بالنصب ، ويروى بالرفع أي المطلوب بينتك أو يمينه إن لم تكن لك بينة ، وفي رواية أبي معاوية : وقال : ألك بينة ؟ قلت : لا ، فقال لليهودي : احلف .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية أبي حمزة فقال : ألك شهود ؟ قلت : ما لي شهود ، قال : فيمينه .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية وكيع عند مسلم : ألك عليه بينة ؟

                                                                                                                                                                                  وفي رواية جرير عن منصور : شاهداك أو يمينه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إذا يحلف " جواب وجزاء بنصب يحلف .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية