الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
461 مالك ، عن زيد بن رباح ، وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر ، عن أبي عبد الله الأغر ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام .

التالي السابق


لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث في الموطإ ، ورواه محمد بن مسلمة المخزومي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي ، فذكره ، وهو غلط فاحش ، وإسناد مقلوب ، ولا يصح فيه عن مالك إلا حديثه في الموطإ عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر ( عن أبي عبد الله الأغر ) عن أبي هريرة .

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وعبد الله بن عمر بن إسحاق بن معمر قالا : حدثنا [ ص: 17 ] إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم قال : أخبرنا مالك عن زيد بن رباح وعبيد الله بن سلمان الأغر عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام .

وقد روي عن أبي هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة والحمد لله .

وأبو عبد الله الأغر اسمه سلمان ، مولى جهينة من تابعي المدينة وأصله من أصبهان ، وهو ثقة كبير حجة فيما نقل , روى عنه ابن شهاب وابنه عبيد الله وعبيد الله أيضا ثقة ، وحديثه هذا صحيح مجتمع على صحته إلا أنهم اختلفوا في تأويله ومعناه , فتأوله قوم ، منهم أبو بكر عبد الله بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة , وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة [ ص: 18 ] وقال بذلك جماعة من المالكيين ، رواه بعضهم عن مالك . وذكر أبو يحيى الساجي قال : اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعي : مكة خير البقاع كلها ، وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين .

وقال مالك والمدنيون : المدينة أفضل من مكة ، واختلف البغداديون ، وأهل البصرة في ذلك ، فطائفة تقول مكة ، وطائفة تقول المدينة وقال عامة أهل الأثر والفقه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمائة صلاة ، وروى يحيى بن يحيى عن ابن نافع أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال : معناه أن الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف صلاة ، وفي سائر المساجد بألف صلاة .

قال أبو عمر :

أما القول في فضل مكة والمدينة فقد مضى منه في كتابنا هذا ما فيه كفاية ، وأما تأويل ابن نافع فبعيد عند أهل المعرفة باللسان ، ويلزمه أن يقول : إن الصلاة في مسجد [ ص: 19 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا ، وإذا كان هكذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع وحسبك ضعفا بقول يأول إلى هذا ( فإن حد حدا في ذلك لم يكن لقوله دليل ، ولا حجة ، وكل قول لا تعضده حجة ساقط .

حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال : سمعت ابن الزبير قال : سمعت عمر يقول : صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه - يعني من المساجد - إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهذا عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ولا مخالف لهما من الصحابة يقولان بفضل الصلاة في المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ) .

وتأول بعضهم هذا الحديث عن عمر أيضا على أن الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام ، وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ، ولا يقوم عليه دليل ، وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة [ ص: 20 ] في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة ، وفي غيره بألف صلاة ، واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال : سمعت عمر يقول : صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه .

وحديث سليمان بن عتيق هذا لا حجة فيه ، لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه ، وقد خالفه فيه من هو أثبت منه .

فمن الاختلاف عليه في ذلك ما حدثنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبي عبد الرحمن قال : حدثنا سليمان بن عتيق قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : صلاة [ ص: 21 ] في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي ، صلى الله عليه وسلم .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا أحمد بن دحيم - وكتبته من أصله - قال : حدثنا أبو جعفر الديبلي محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال : حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال : سمعت ابن الزبير على المنبر يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنما فضله عليه بمائة صلاة .

فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف بحديث قد روي فيه ضد ما ذكروه من رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا .

وقد ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرنا سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول : صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه . ويشير إلى مسجد المدينة .

[ ص: 22 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ومحمد بن عبد السلام الخشني قالا : حدثنا محمد بن أبي عمر قال : حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن سليمان بن عتيق قال : سمعت ابن الزبير يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن فضله عليه بمائة صلاة .

فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل ، لأن قوله " فضله عليه " يحتمل الوجهين , إلا أنه قد جاء عن عبد الله بن الزبير من نقل الثقات خلاف ما تأولوه عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكر عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به وما انفرد به فلا حجة فيه ، وإنما الحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين : طائفة توقفه عليه فتجعله من قوله ، وطائفة ترفعه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى واحد : أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة ضعف [ ص: 23 ] هكذا رواه عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسب ما نذكره ، ومن رفعه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحفظ وأثبت من جهة النقل ، وهو أيضا صحيح في النظر ، لأن مثله لا يدرك بالرأي ، ولا بد فيه من التوقيف ، فلهذا قلنا أن من رفعه أولى ، مع شهادة أئمة الحديث للذي رفعه بالحفظ والثقة فممن وقفه على ابن الزبير من رواية عطاء : الحجاج بن أرطاة وابن جريج على أن ابن جريج رواه عن سليمان بن عتيق أيضا مثل روايته عن عطاء سواء .

فحديث الحجاج حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا أبي ، حدثنا هشيم قال : أخبرنا الحجاج عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال : الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة ضعف ، قال عطاء : فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف .

وذكر عبد الرزاق وغيره عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر : صلاة في المسجد [ ص: 24 ] الحرام خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، قال : قلت : لم يسم مسجد المدينة قال : يخيل إلي أنه إنما أراد مسجد المدينة قال ابن جريج : وأخبرني سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا ، ثم يشير ابن الزبير إلى المدينة هكذا قال ابن جريج بألف ، وعلى ما أشار إليه وتأوله ابن جريج في حديثه هذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف ألف .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ما يقطع الخلاف ، ويحسم التنازع ، ولكن الحديث لم يقمه ولا جوده إلا حبيب المعلم عن عطاء أقام إسناده وجود لفظه , فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد ( الحرام بأنها مائة ألف صلاة ، وفي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف صلاة ) .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ [ ص: 25 ] قال : حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أبي مسرة فقيه مكة ، قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام , وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي .

( وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة ) .

فأسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوده ، ولم يخلط في لفظه ولا في معناه ، وكان ثقة ، وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا ، قال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : حبيب المعلم ثقة ، وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : [ ص: 26 ] سمعت أبي يقول : حبيب المعلم ثقة , ما أصح حديثه ، وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال : ثقة ، وقد روي في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقاة كلهم ، بمثل حديث حبيب المعلم سواء . وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبد الله بن الزبير فيكونان حديثين ، وعلى ذلك يحمله أهل الفقه في الحديث .

قال أبو عمر :

ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه قوي ولا ضعيف ما يعارض هذا الحديث ، ولا عن أحد من أصحابه - رضي الله عنهم - وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحد إلا لمتعسف لا يعرج على قوله في حبيب المعلم وقد كان أحمد بن حنبل يمدحه ويوثقه ويثني عليه ، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ، ولم يرو عنه القطان ، وروى عنه يزيد بن زريع وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي وعندهم عنه كثير ، وسائر الإسناد أئمة ثقات أثبات ، وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن عطاء مثل رواية حبيب المعلم سواء .

وقد روي من حديث ( جابر ) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث ابن الزبير سواء .

[ ص: 27 ] حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثني حكيم بن سيف حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم ( الجزري ) عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه .

وحكيم بن سيف هذا شيخ من أهل الرقة ، وقد روى عنه أبو زرعة الرازي وغيره ، وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به ، فإن كان حفظ ، فهما حديثان ، وإلا فالقول قول حبيب المعلم على ما ذكرنا .

[ ص: 28 ] وقد روي في هذا الباب أيضا ( حديث بهذا المعنى ، عن عطاء عن ابن عمر مسندا ، وهو عندهم ) حديث آخر لا شك فيه ، لأنه روي عن ابن عمر من وجوه :

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي حدثنا محمد بن إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ وابن أبي دليم قالا : حدثنا محمد بن وضاح حدثنا يوسف بن عدي ( عن عبيد الله بن عمرو ) عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل .

[ ص: 29 ] وحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد ( بن علي ) قال : حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز . وأجازه لنا أيضا أبو محمد ( عبد الله ) بن عبد المؤمن عن ابن جامع عن علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عمار حدثنا أبو معاوية عن موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة .

قال علي بن عبد العزيز : وحدثنا عازم قال : حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

( قال أبو عمر ) :

موسى الجهني كوفي ( ثقة ) أثنى عليه القطان [ ص: 30 ] وأحمد ويحيى وجماعتهم ( وروى عنه شعبة والثوري ويحيى بن سعيد ) وقد روى عن أبي الدرداء وجابر بمثل هذا المعنى سواء .

( حدثنا إبراهيم بن شاكر حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن أيوب الرسي قال : حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال : حدثنا إبراهيم بن حميد بن يزيد بن شداد قال : حدثنا سعيد بن سالم القداح قال : حدثنا سعيد بن بشر ) عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة ، وفي مسجدي ألف صلاة ، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة .

( قال البزار : هذا إسناد حسن ، وقد روي ) من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء .

[ ص: 31 ] وروى الحميدي عن ابن عيينة قال : حدثني عمر بن سعيد عن أبيه ، عن أبي عمرو الشيباني قال : قال عبد الله بن مسعود ما لامرأة أفضل من صلاتها في بيتها إلا المسجد الحرام . وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي عليه السلام ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة .

وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنها تصلى في المسجد الحرام ، وذكر ابن وهب في جامعه ، عن مالك أن آدم لما أهبط إلى الأرض قال : يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها ؟ قال : بل مكة ، وقد ذكرنا هذا الخبر بتمامه في باب حبيب بن عبد الرحمن من هذا الكتاب .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى وأحمد بن سلمة بن الضحاك قالا : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : [ ص: 32 ] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام .

قال سفيان : فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد .

حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا ابن أبي دليم قال : ( حدثنا ) ابن وضاح قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال : سمعت ابن وهب يقول : ما رأيت أعلم بالتفسير للحديث من ابن عيينة ( وحسبك في هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - بمكة : والله إني لأعلم أنك خير أرض الله ، وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ) .

وهذا من أصح الآثار عن النبي عليه السلام : حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا [ ص: 33 ] أحمد بن زهير حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على راحلته بالحزورة يقول : والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ، وهذا قاطع في موضع الخلاف والله المستعان . ورواه ابن وهب عن يونس بن زيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء .

وأخبرنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا ابن سنجر حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال : لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال : أما والله إني لأخرج منك ، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمه على الله ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت ) .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف [ ص: 34 ] بن مهران عن ابن عباس قال : قال علي بن أبي طالب : إني لأعلم أحب بقعة إلى الله في الأرض ، وأفضل بئر في الأرض ، وأطيب أرض في الأرض ريحا ، فأما أحب بقعة إلى الله في الأرض فالبيت الحرام ( وما حوله ) وأفضل بئر في الأرض زمزم ، وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة .

فهذا عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء ( وابن عمر وجابر ) يفضلون مكة ومسجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم .

( وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجد المدينة . قال معمر : وسمعت أيوب يحدث عن أبي العالية عن عبد الله بن الزبير مثل قول قتادة ) وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف وعن أصبغ عن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما في أحاديث هذا الباب والله الموفق للصواب .

[ ص: 35 ] ( قال أبو عمر ) :

أصحابنا يقولون : إن قول ابن عيينة حجة حين حدث بحديث أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة .

قال ابن عيينة : كانوا يرونه مالك بن أنس قالوا : قول ابن عيينة حجة ، لأنه إذا قال : كانوا يرون ، إنما حكى عن التابعين ، فيلزمهم مثل ذلك في قول ابن عيينة في تفسير حديث هذا الباب ، لأنه قال : إنه حدث به ، فكانوا يرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل بمائة ألف فيما سواه ، ولا يشك عالم منصف في أن ابن عيينة فوق ابن نافع في الفهم ، والفضل ، والعلم ، وأنه إذا لم يكن بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا في هذا الباب عن النبي عليه السلام ، وأصحابه - رضي الله عنهم - غنى عما سواهم والحمد لله ) .

[ ص: 36 ] ( قال أبو عمر :

طعن قوم في حديث عطاء في هذا الباب للاختلاف عليه فيه ، لأن قوما يروونه عنه عن ابن الزبير وآخرون يروونه عنه عن ابن عمر وآخرون يروونه عنه عن جابر ومن العلماء من لم يجعل مثل هذا علة في هذا الحديث ، لأنه يمكن أن يكون عند عطاء عنهم كلهم ، والواجب أن لا يدفع خبر نقله العدول إلا بحجة لا تحتمل التأويل ولا المخرج ، ولا يجد منكرها لها مدفعا ، وهو مشتهر بصحة حديث عطاء . وبالله التوفيق .

وفي هذا الباب حديث موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يختلف عليه فيه ، وهو يشهد لصحة حديث عطاء وبالله توفيقنا ) .




الخدمات العلمية