الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
" الفصل الثالث "

1425 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بين ضجنان وعسفان ، فقال المشركون : لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم ، وهي العصر فأجمعوا أمركم ، فتميلوا عليهم ميلة واحدة ، وإن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يقسم أصحابه شطرين ، فيصلي بهم ، وتقوم طائفة أخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، فتكون لهم ركعة ، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتان . رواه الترمذي ، والنسائي .

التالي السابق


" الفصل الثالث "

1425 - ( عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بين ضجنان ) : بالضاد المعجمة ، والجيم ، والنون ، موضع أو جبل بين الحرمين قاله الطيبي . وقال ابن حجر : موضع أو جبل قريب عسفان ، وفي المغني : جبل بمكة ، وفي القاموس : ضجنان كسكران ، جبل قريب مكة ، وجبل آخر بالبادية موافقا لما في النهاية . ( وعسفان ) : كعثمان ، موضع على مرحلتين من مكة . وفي النهاية : قرية بين الحرمين ، وعبارة القاموس في الموضعين تشير إلى أن الأول منصرف دون الثاني ، والمضبوط في النسخ المصححة عدم انصرافهما ، وزاد ابن الهمام : وحاصر المشركين . ( فقال المشركون ) أي : بعضهم لبعض . ( لهؤلاء ) أي : للمسلمين . ( صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم ) أي : من [ ص: 1059 ] أرواح أصولهم وفروعهم . ولفظ ابن الهمام : من أبنائهم وأموالهم . ( وهي العصر ) : لما وقع من تأكيد المحافظة على مراعاتها في قوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أي : فلا تتركونها أبدا ، وهي جملة معترضة ، وهي غير موجودة في نقل ابن الهمام . ( فأجمعوا ) : بفتح الهمزة ، وكسر الميم . ( أمركم ) أي : أمر القتال ، والمعنى فاعزموا عليه . ( فتميلوا ) : بالنصب على جواب الأمر أي : فتحملوا ، ولفظ ابن الهمام : ثم ميلوا . ( عليهم ميلة واحدة ) : كما قال تعالى : ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة . ( وإن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم ) : قال الطيبي : حال من قوله : فقال المشركون على نحو : جاء زيد والشمس طالعة . ( فأمره أن يقسم أصحابه شطرين أي : نصفين كما في رواية ابن الهمام يعني : صفين . ( فيصلي ) : بالنصب . ( بهم ) قال ابن حجر : أي : يحرم بهم جميعا ، والظاهر أن ضمير بهم راجع إلى أحد الشطرين ، وهم الطائفة الأولى بقرينة قوله . ( وتقوم ) : بالنصب . ( طائفة أخرى وراءهم ) وأمر الإحرام بالكل مع الإمام ، مقرر بمقتضى المقام يعني : تستمر طائفة منهم قائمة الاعتدال تحرسهم عند سجودهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمراقبتهم العدو لئلا يبغتهم العدو ، وهم في السجود ، كذا قاله ابن حجر .

والأظهر أن الطائفة الأخرى تستمر في حالة القيام إلى أن فرغت الطائفة الأولى من الركعة الأولى . قال تعالى : ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك أي : ركعة أخرى ، وليصح قوله الآتي : فتكون لهم ركعة . ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) : قال ابن حجر : أي : الحارسون ، والأظهر أي : المصلون ، فإن كل طائفة منهم يحرسون في ركعة كما تقدم ; ولقوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم فالحذر كالجنة ، والأسلحة كالسيف . قال الطيبي : أي : ما فيه الحذر . الكشاف : جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي ، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ دلالة على التيقظ التام ، والحذر الكامل ، ومن ثم قدمه على أخذ الأسلحة . ( فتكون لهم ) أي : لكل طائفة منهم . وقال ابن حجر : أي : لكل من الحارسين وهو مبني على ما سبق له . ( ركعة ) أي : معه - صلى الله عليه وسلم - . ( ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتان ) أي : كاملتان تابعة فيهما الطائفتان ، وذكر الركعة والركعتين لبيان الواقع ، فلا ينافي ما سبق من أنه كانت له أربع ركعات ، وللقوم ركعتين لاختلاف القضيتين ، واختار إمامنا الحديث الأول والآخر من الباب لمرافقتهما لظاهر الكتاب ، والله أعلم بالصواب .

( رواه الترمذي ، والنسائي ) قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي رواية أبي عياش الزرقي : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد فساقه ، وقال : فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، وصلى بنا العصر ، ففرقنا فرقتين ، الحديث . رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، ولا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق اهـ . كلام ابن الهمام .




الخدمات العلمية