الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1633 1720 - حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان قال: حدثني يحيى قال: حدثتني عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا الحج، حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ثم يحل. قالت عائشة رضي الله عنها: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه. قال يحيى: فذكرت هذا الحديث للقاسم، فقال: أتتك بالحديث على وجهه. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 3 \ 557]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عطاء: سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى، فرخص لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كلوا وتزودوا". فأكلنا وتزودنا. قلت لعطاء: أقال: حتى جئنا المدينة؟ قال: لا.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عمرة قالت: سمعت عائشة تقول: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا الحج. [ ص: 99 ] الحديث، في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه، وفي آخره: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، وقد سلف قريبا.

                                                                                                                                                                                                                              هذا التبويب ثابت في (الأصول) والشروح، وفي بعض الأصول إسقاط لفظة "باب" وإدخاله في الباب قبله فقال: وما يأكل من البدن و(ما) يتصدق به.

                                                                                                                                                                                                                              وأثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة، عن ابن نمير، عن (عبيد) الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: إذا عطبت البدنة، أو كسرت أكل منها صاحبها وأطعم، ولم يبدلها إلا أن يكون نذرا أو جزاء صيد.

                                                                                                                                                                                                                              وأثر عطاء أخرجه أيضا، عن ابن إدريس، عن عطاء بلفظ: ما كان من جزاء صيد أو نسك أو نذر للمساكين فإنه لا يأكل منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف اختلاف العلماء في جواز الأكل من الهدي في (باب: يتصدق بجلال البدن) وذكر ابن المواز، عن مالك: أنه يأكل من الهدي النذر، إلا أن يكون نذره للمساكين، وكذلك ما أخرجه بمعنى الصدقة لا يأكل منه، وهدي التطوع إذا قصر عن بلوغ محله وعطب فلا يأكل منه.

                                                                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي يكره أن يؤكل من جزاء الصيد أو فدية أو كفارة، ويؤكل هدي النذر وهدي التمتع والتطوع. واحتج لمالك بقوله: [ ص: 100 ] فكلوا منها وأطعموا ولم يخص واجبا من تطوع، فهو عام في الجواز إلا بدلالة; ولأن الإجماع قائم على جواز الأكل من دم المتعة كما قاله ابن القصار، قال: ولا نعلم أحدا منعه قبل الشافعي، وقول عائشة: "دخل علينا يوم النحر بلحم بقر" يرد قوله; لأنه لا خلاف أن نحرها كانت هدي المتعة التي تمتعن، وقد أمر - عليه السلام - أن يحمل إليهن منه ليأكلنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال المهلب: وإنما لم يجز الهدي من الجزاء; لأنه غرم جناية، فإذا أكل منه (لم يغرم) المثل الذي أوجب الله عليه، وفدية الأذى من هذا الباب، ونذر المساكين كذلك; لأنه إذا أكل منه لم ينفذ إليهم حقوقهم.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الطحاوي لأبي حنيفة فقال: ظاهر الآية إباحة الأكل من جميع الهدايا إذ لم يذكر في ذلك خاص بها، واحتمل أن يكون باطن الآية كظاهرها، واحتمل خلافه، وأهل العلم لا يختلفون في هدي التطوع إذا بلغ محله أنه يباح لمهديه الأكل منه، وأنه مما دخل في هذه الآية، وشهد بذلك السنن المأثورة; لأنه - عليه السلام - أكل من هديه في حجته وكانت تطوعا، ولا يختلفون في المنع في الجزاء ونذر المساكين وأنه غير داخل في هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في هدي القران والمتعة وهدي الجماع، والأولان أشبه بالتطوع منهما; لأنهما وجبا بفعل غير منهي عنه، ولم يكونا كهدي النذر; لأنه شكر لشيء يراد به أن يكون جزاء له فأشبهت العوض، وكان هدي الجماع بهدي الجزاء أشبه للاشتراك في الهدي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 101 ] واختلف أهل العلم في هدي التطوع إذا عطب قبل محله، فقالت طائفة: صاحبه ممنوع من الأكل منه، روي ذلك عن ابن عباس ، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، ورخصت طائفة في الأكل منه، روي ذلك عن عائشة، وابن عمر .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث الباب فهو مجمل كالآية، وفيه: جواز الأكل من الهدي دون تخصيص نوع منه بالمنع.

                                                                                                                                                                                                                              وقول جابر: (كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى)، فقال النخعي: وكان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فأبيح للمسلمين الأكل منها، وإنما منعوا من ذلك في أول الإسلام من أجل الدافة، فلما زالت العلة الموجبة لذلك أمرهم أن يأكلوا ويدخروا.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في مقدار ما يؤكل منها ويتصدق: فذكر علقمة أن ابن مسعود أمره أن يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويهدي ثلثه، وروي عن عطاء وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 102 ] وقال الثوري: يتصدق بأكثره. وقال أبو حنيفة: ما يجب أن يتصدق بأقل من الثلث.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: مشهور مذهب مالك: أنه يؤكل من كل هدي إلا أربعة: جزاء الصيد، وفدية الأذى، وما نذره للمساكين، وهدي التطوع إذا عطب قبل محله، فإن نذر بدنة ولم يعلقها بالمساكين بقول أو نية جاز الأكل على الأصح، وقيل: إن أهدي الفساد لا يؤكل منه، وفروعه عندهم كثيرة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية