الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وبيع ) نحو ( الرطب والعنب ) والتمر والزبيب ( لعاصر الخمر ) والنبيذ أي لمن يظن منه عصره خمرا أو مسكرا كما دل عليه ربط الحرمة التي أفادها العطف بوصف عصره للخمر فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه واختصاص الخمر بما عصر من العنب غير مناف لعبارته هذه خلافا لمن زعمه أيضا إذ عصره للخمر قرينة على عصره للنبيذ الصادق بالمتخذ من الرطب فذكره فيه للقرينة لا ; لأنه يسمى خمرا على أنه قد يسماه مجازا شائعا أو تغليبا ودليل ذلك لعنه صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها الحديث الدال على حرمة كل تسبب في معصية وإعانة عليها ومن نسب للأكثرين الحل هنا أي مع الكراهة محمول على ما لو شك في عصره له ومثل ذلك كل تصرف يفضي إلى معصية ، كبيع أمرد ممن عرف بالفجور وأمة ممن يتخذها لغناء محرم وخشب لمن يتخذه آلة لهو وثوب حرير للبس رجل بلا نحو ضرورة وسلاح من نحو باغ وقاطع طريق ، ومثل ذلك إطعام مسلم مكلف كافرا مكلفا في نهار رمضان ، وكذا بيعه طعاما علم أو ظن أنه يأكله نهارا كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ; لأن كلا من ذلك تسبب في المعصية وإعانة عليها بناء على تكليف الكفار بفروع الشريعة ، وهو الراجح ، والفرق بين ما ذكر وإذنه له في دخول المسجد أنه يعتقد وجوب الصوم عليه ولكنه أخطأ في تعيين محله ولا يعتقد حرمة المسجد ، [ ص: 472 ] ولهذا كان له أن يدخله ويمكث فيه ; لأنه صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد قيس فأنزلهم في المسجد قبل إسلامهم ولا شك أن فيهم الجنب ، لا يقال : هو في هذه الصور عاجز عن التسليم شرعا فلم صح البيع .

                                                                                                                            لأنا نمنع ذلك بأن العجز عنه ليس بوصف لازم في المبيع بل في البائع خارج عما يتعلق بالبيع وشروطه ، وبه فارق البطلان الآتي في التفريق والسابق في بيع السلاح للحربي ; لأنه لوصف في ذات المبيع موجود حالة البيع ولا يشكل عليه صحة بيع السلاح لقاطع الطريق مع وجود ذلك فيه ; لأن الفرق بينهما واضح ، وهو أن وصف الحرابة المقتضي لتقويتهم علينا به موجود حال البيع ، بخلاف وصف قطعه الطريق فإنه أمر مترقب ولا عبرة بما مضى منه ، وبما تقرر اندفع ما للسبكي وغيره هنا ، وأفتى ابن الصلاح وأقروه فيمن حملت أمتها على فساد بأنها تباع عليها قهرا إذا تعين البيع طريقا إلى خلاصها ، كما أفتى القاضي فيمن يكلف قنه ما لا يطيقه بأنه يباع عليه تخليصا له من الذل ، ويؤخذ مما مر أن محله عند تعينه طريقا كما يشير إليه كلامه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لعاصر الخمر ) أي ولو كافرا لحرمة ذلك عليه وإن كنا لا نتعرض له بشرطه ، وهل يحرم بيع الزبيب لحنفي يتخذه مسكرا كما هو قضية إطلاق العبارة أولا ; لأنه يعتقد حل النبيذ بشرطه ؟ فيه نظر ، ويتجه الأول نظرا لاعتقاد البائع ا هـ سم على حج ( قوله : ربط الحرمة ) أي ; لأن ذلك الربط يشعر بأن علة الحرمة العصر ; لأن تعليق الحكم بالمشتق يدل على علية مبدإ الاشتقاق ، فلا يقال إن كلامه صادق مع عدم العلم بأنه يعصر خمرا بل مع العلم بأنه لا يعصر خمرا ا هـ سم على حج ( قوله عصره للخمر ) أي إقدامه على عصر العنب لاتخاذه خمرا قرينة على عصره إلخ ( قوله : الحديث ) ولفظه على ما في عميرة { لعن الله الخمرة وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها } ا هـ ( قوله : كبيع أمرد ) ومنه بيع الدابة لمن يكلفها فوق طاقتها ( قوله : لغناء محرم ) بالكسر والمد ا هـ مختار ( قوله : ومثل ذلك ) أي ومثل ذلك بيع الورق المشتمل على نحو اسم الله تعالى لمن يتخذه كاغدا للدراهم أو يجعله في الأقباع ونحو ذلك مما فيه امتهان مر والحرمة ثابتة وإن كان المبيع لنحو صبي ولم يوجد من يرغب فيه بذلك غير المتخذ المذكور مر ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ( قوله : والفرق بين ما ذكر وإذنه ) أي حيث كان ثم حاجة يتوقف قضاؤها على دخول المسجد ( قوله : أنه ) أي الكافر ( قوله : وجوب الصوم ) يؤخذ من هذا الفرق عدم حرمة بيع العنب للكافر وإن علم اتخاذه خمرا لعدم اعتقاده حرمته ، وقدمنا عن سم على حج خلافه فتأمله ، على أنه قد يشكل على الفرق بما ذكر جعله التحريم مجرد كونه مخاطبا بفروع الشريعة ( قوله : ولا يعتقد حرمة المسجد ) يؤخذ منه أن كل ما لا يعتقدون [ ص: 472 ] حرمته لا يحرم علينا تعاطي ما يكون سببا في فعله ، ومنه يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها ، وهي أن ذميا استعمل الوشم بعد بلوغه بلا حاجة تدعو إليه ثم أسلم فهل يجب عليه إزالة الوشم بعد الإسلام حيث لا ضرر عليه في إزالته أم لا ؟ كمن فعل به من المسلمين قبل بلوغه حيث لم يكلف إزالته بعد البلوغ لعدم تعديه في الأصل ويعفى عنه في حقه وحق غيره ولا ينجس ماء قليلا بملاقاة محل الوشم له إلى غير ذلك من الأحكام ، وهو أن الظاهر العفو لعدم اعتقاده حرمته في الأصل فلا تعدي منه حال الفعل وإن كان مخاطبا بفروع الشريعة ( قوله : ولهذا كان له ) أي جاز له ( قوله : لا يقال هو ) أي البائع ( قوله : بل في البائع ) يتأمل فإنه قد يقال منع الشرع له من تسليمه له يصيره عاجزا وهو معنى انتفاء قدرة التسليم شرعا فلا يظهر وجه قوله بل في البائع إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وصف قطعه الطريق ) فيه بحث ; لأنه إن أريد بوصف الحرابة المعنى القائم الذي ينشأ عنه التعرض لنا فمثله موجود حال البيع في قاطع الطريق أو نفس التعرض لنا بالفعل فهو غير موجود حال البيع ا هـ سم . أقول : قد يمنع قوله فمثله موجود حال البيع في قاطع الطريق فإن الحرابة حكم شرعي يستدام في صاحبه حتى يلتزم الجزية أو يسلم ، بخلاف قطع الطريق فإنه لم ينشأ عنه وصف تترتب عليه أحكام القطع وقتله وصلبه ونحوهما إنما هو على ما صدر منه أولا ( قوله : بأنه يباع عليه ) والبائع هو الحاكم .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : إذ عصره ) أي العاصر ( قوله : فذكره ) أي العاصر




                                                                                                                            الخدمات العلمية