الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الفتنة بدمشق

في هذه السنة وقعت الفتنة بدمشق بين صاحبها والجند .

وسبب ذلك أن الحاجب يوسف بن فيروز كان أكبر حاجب عند أبيه وجده ، ثم إنه خاف أخاه شمس الملوك وهرب منه إلى تدمر ، فلما كانت هذه السنة سأل أن يحضر إلى دمشق ، وكان يخاف جماعة المماليك ؛ لأنه كان أساء إليهم وعاملهم أقبح معاملة ، فكلهم عليه حنق ، لا سيما في الحادثة التي خرج فيها شمس الملوك وقد تقدمت ، فإنه أشار بقتل جماعة أبرياء وبقتل سونج بن تاج الملوك ، فصاروا كلهم أعداء مبغضين .

فلما طلب الآن الحضور إلى دمشق أجيب إلى ذلك .

فأنكر جماعة الأمراء والمماليك قربه ، وخافوه أن يفعل بهم مثل فعله الأول ، فلم يزل يتوصل معهم حتى حلف لهم واستحلفهم ، وشرط على نفسه أنه لا يتولى من الأمور شيئا .

ثم إنه جعل يدخل نفسه في كثير من الأمور ، فاتفق أعداؤه على قتله ، فبينما هو يسير مع شمس الملوك في الميدان ، وإلى جانبه أمير اسمه بزاوش يحادثه ، إذ ضربه بزاوش بالسيف فقتله ، فحمل ودفن عند تربة والده بالعقيبة .

ثم إن بزاوش والمماليك خافوا شمس الملوك ، فلم يدخلوا البلد ، ونزلوا بظاهره ، وأرسلوا يطلبون قواعد استطالوا فيها ، فأجابهم إلى البعض ، فلم يقبلوا منه ، ثم ساروا إلى بعلبك وبها شمس الدولة محمد بن تاج الملوك صاحبها ، فصاروا معه ، فالتحق بهم كثير من التركمان وغيرهم ، وشرعوا في العيث والفساد ، واقتضت الحال مراسلتهم وملاطفتهم وإجابتهم إلى ما طلبوا ، واستقرت الحال على ذلك ، وحلف كل منهم لصاحبه ، فعادوا إلى ظاهر دمشق ولم يدخلوا البلد .

[ ص: 75 ] وخرج شهاب الدين صاحب دمشق إليهم ، واجتمع بهم ، وتجددت الأيمان ، وصار بزاوش مقدم العسكر ، وإليه الحل والعقد ، وذلك في شعبان ، وزال الخلف ودخلوا البلد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية