الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخليفة المستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله العباسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الذي بايعه الظاهر بمصر في رجب من السنة الماضية ، كما ذكرنا ، وكان قتله في ثالث المحرم من هذه السنة ، وكان شهما شجاعا ، بطلا فاتكا ، وقد كان السلطان الظاهر أنفق عليه حتى أقام له جيشا بألف ألف دينار وأزيد ، وسار في خدمته ومعه خلق من أكابر الأمراء وأولاد صاحب الموصل ، وكان الملك الصالح إسماعيل من الوفد الذين قدموا على الظاهر ، فأرسله صحبة الخليفة ، فلما كانت [ ص: 441 ] الوقعة فقد المستنصر ، ورجع الصالح إلى بلاده ، فجاءته التتار ، فحاصروه كما ذكرنا ، وقتلوه وخربوا بلاده ، وقتلوا أهلها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العز الضرير النحوي اللغوي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واسمه الحسن بن محمد بن أحمد بن نجا ، من أهل نصيبين ، ونشأ بإربل ، فاشتغل بعلوم كثيرة من علوم الأوائل ، وكان يشتغل عليه أهل الذمة وغيرهم ، ونسب إلى الانحلال وقلة الدين ، وترك الصلوات ، وكان ذكيا ، وليس بذكي; عالم اللسان ، جاهل القلب ، ذكي القول ، خبيث الفعل ، وله شعر جيد رائق أورد منه الشيخ قطب الدين قطعة في ترجمته ، وهو الضرير شبيه بأبي العلاء المعري ، قبحهما الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن عبد السلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب ، الشيخ عز الدين أبو محمد السلمي الدمشقي الشافعي ، شيخ المذهب ومفيد أهله ، وصاحب مصنفات حسان; منها التفسير ، واختصار النهاية ، والقواعد الكبرى ، والصغرى ، وكتاب الصلاة ، والفتاوى الموصلية ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة ، وسمع كثيرا ، واشتغل على فخر الدين بن عساكر وغيره ، وبرع في المذهب ، وعلوم كثيرة ، وأفاد الطلبة ، ودرس بعدة مدارس بدمشق ، وولي خطابتها ، ثم انتقل عنها إلى الديار المصرية ، فدرس بها ، وخطب وحكم ، وانتهت إليه رئاسة المذهب ، [ ص: 442 ] وقصد بالفتاوى من الآفاق ، وكان لطيفا ظريفا يستشهد بالأشعار ، وقد كان خروجه من الشام بسبب ما كان أنكره على الصالح إسماعيل من تسليمه صفد والشقيف إلى الفرنج ، ووافقه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب المالكي ، فأخرجهما من بلده ، فسار أبو عمرو إلى الناصر داود صاحب الكرك فأكرمه ، وسار ابن عبد السلام إلى الملك الصالح أيوب بن الكامل صاحب مصر ، فأكرمه واحترمه وولاه قضاء مصر وخطابة الجامع العتيق ، ثم انتزعهما منه ، وأقره على تدريس الصالحية ، فلما حضره الموت أوصى بها للقاضي تاج الدين ابن بنت الأعز ، وتوفي في عاشر جمادى الأولى ، وقد نيف على الثمانين ، ودفن من الغد بسفح المقطم ، وحضر جنازته السلطان الظاهر وخلق كثير ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كمال الدين بن العديم الحنفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل الحلبي الحنفي ، كمال الدين أبو القاسم بن العديم ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الوزير الرئيس الكبير ، ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، سمع الحديث ، وحدث وتفقه وأفتى ودرس وصنف ، وكان إماما في فنون كثيرة ، وقد ترسل إلى الخلفاء والملوك مرارا عديدة ، وكان يكتب حسنا طريقة مشهورة ، وصنف لحلب تاريخا مفيدا يقرب [ ص: 443 ] من أربعين مجلدا ، وكان جيد المعرفة بالحديث ، حسن الظن بالفقراء والصالحين ، كثير الإحسان إليهم ، وقد أقام بدمشق في الدولة الناصرية المتأخرة ، وكانت وفاته بمصر ، ودفن بسفح المقطم بعد الشيخ عز الدين بعشرة أيام ، وقد أورد له قطب الدين أشعارا حسنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن سليمان بن محمد القاقاني الزينبي بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، محيي الدين أبو المعز ، ويقال : أبو المحاسن الهاشمي العباسي الموصلي ، المعروف بابن زبلاق الشاعر ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قتلته التتار لما أخذوا الموصل في هذه السنة عن سبع وخمسين سنة ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا     وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى     وأبرزت وجها أخجل الصبح طالعا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وملت بقد علم الهيف الغصنا     حكيت أخاك البدر ليلة تمه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سنا وسناء إذ تشابهتما سنا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أيضا ، وقد دعي إلى موضع ، فبعث يعتذر بهذين البيتين :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 444 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنا في منزلي وقد وهب ال     له نديما وقينة وعقارا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فابسطوا العذر في التأخر عنكم     شغل الحلي أهله أن يعارا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو شامة : وفيها في ثاني عشر جمادى الآخرة توفي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      البدر المراغي الخلافي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المعروف بالطويل ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان قليل الدين تاركا للصلاة ، مغتبطا بما كان فيه من معرفة الجدل والخلاف على اصطلاح المتأخرين ، رحمنا الله تعالى وجميع المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن داود بن ياقوت الصارمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المحدث ، كتب كثيرا; الطبقات وغيرها ، وكان دينا خيرا ، يعير كتبه ، ويداوم على الاشتغال بسماع الحديث ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية