الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرائط الركن فبعضها يرجع إلى العاقدين ، وهما رب المال والمضارب ، وبعضها يرجع إلى رأس المال ، وبعضها يرجع إلى الربح .

                                                                                                                                ( أما ) الذي يرجع إلى العاقدين وهما رب المال والمضارب ، فأهلية التوكيل والوكالة ; لأن المضارب يتصرف بأمر رب المال ، وهذا معنى التوكيل ، وقد ذكر شرائط أهلية التوكيل والوكالة ، في كتاب الوكالة ولا يشترط إسلامهما فتصح المضاربة بين أهل الذمة وبين المسلم ، والذمي والحربي المستأمن حتى لو دخل حربي دار الإسلام بأمان ، فدفع ماله إلى مسلم مضاربة ، أو دفع إليه مسلم ماله مضاربة فهو جائز لأن المستأمن في دارنا بمنزلة الذمي ، والمضاربة مع الذمي مضاربة جائزة ، فكذلك مع الحربي المستأمن ، فإن كان المضارب هو المسلم فدخل دار الحرب بأمان فعمل بالمال فهو جائز ; لأنه دخل دار رب المال فلم يوجد بينهما اختلاف الدارين فصار كأنهما في دار واحدة .

                                                                                                                                وإن [ ص: 82 ] كان المضارب هو الحربي ، فرجع إلى داره الحربي ، فإن كان بغير إذن رب المال بطلت المضاربة ، وإن كان بإذنه فذلك جائز ويكون على المضاربة ، ويكون الربح بينهما على ما شرطا إن رجع إلى دار الإسلام مسلما أو معاهدا أو بأمان استحسانا ، والقياس أن تبطل المضاربة .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس أنه لما عاد إلى دار الحرب بطل أمانه وعاد إلى حكم الحرب كما كان ، فبطل أمر رب المال عند اختلاف الدارين ، فإذا تصرف فيه فقد تعدى بالتصرف فملك ما تصرف فيه .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان أنه لما خرج بأمر رب المال صار كأن رب المال دخل معه .

                                                                                                                                ولو دخل رب المال معه إلى دار الحرب لم تبطل المضاربة ، فكذا إذا دخل بأمره بخلاف ما إذا دخل بغير أمره ; لأنه لما لم يأذن له بالدخول انقطع حكم رب المال عنه ، فصار تصرفه لنفسه فملك الأمر به وقد قالوا في المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان ، فدفع إليه حربي مالا مضاربة مائة درهم ، أنه على قياس قول أبي حنيفة ومحمد جائز ، فإن اشترى المضارب على هذا وربح أو وضع فالوضيعة على رب المال والربح على ما اشترط ، ويستوفي المضارب مائة درهم والباقي لرب المال ، وإن لم يكن في المال ربح إلا مائة فهي كلها للمضارب ، وإن كان أقل من مائة فذلك للمضارب أيضا ، ولا شيء للمضارب على رب المال ; لأن رب المال لم يشترط المائة إلا من الربح فأما على قول أبي يوسف فالمضاربة فاسدة ، وللمضارب أجر مثله ، وهذا فرع اختلافهم في جواز الربا في دار الحرب لما علم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية