الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1017 حدثني محمد بن المثنى العنزي أخبرنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى آخر الآية إن الله كان عليكم رقيبا والآية التي في الحشر اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي قالا جميعا حدثنا شعبة حدثني عون بن أبي جحيفة قال سمعت المنذر بن جرير عن أبيه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر النهار بمثل حديث ابن جعفر وفي حديث ابن معاذ من الزيادة قال ثم صلى الظهر ثم خطب حدثني عبيد الله بن عمر القواريري وأبو كامل ومحمد بن عبد الملك الأموي قالوا حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن المنذر بن جرير عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه قوم مجتابي النمار وساقوا الحديث بقصته وفيه فصلى الظهر ثم صعد منبرا صغيرا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله أنزل في كتابه يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد وأبي الضحى عن عبد الرحمن بن هلال العبسي عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فذكر بمعنى حديثهم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( مجتابي النمار أو العباء ) النمار بكسر النون جمع نمرة بفتحها ، وهي ثياب صوف فيها تنمير ، و ( العباء ) بالمد وبفتح العين جمع عباءة وعباية لغتان . وقوله : مجتابي النمار أي خرقوها وقوروا وسطها .

                                                                                                                قوله : ( فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هو بالعين المهملة أي تغير .

                                                                                                                [ ص: 85 ] قوله : ( فصلى ثم خطب ) فيه : استحباب جمع الناس للأمور المهمة ووعظهم وحثهم على مصالحهم وتحذيرهم من القبائح .

                                                                                                                قوله : ( فقال : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) سبب قراءة هذه الآية أنها أبلغ في الحث على الصدقة عليهم ، ولما فيها من تأكد الحق لكونهم إخوة .

                                                                                                                قوله : ( رأيت كومين من طعام وثياب ) هو بفتح الكاف وضمها ، قال القاضي : ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم . قال ابن سراج : هو بالضم اسم لما كومه ، وبالفتح المرة الواحدة . قال : والكومة - بالضم - الصبرة ، والكوم العظيم من كل شيء ، والكوم المكان المرتفع كالرابية . قال القاضي فالفتح هنا أولى ، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية .

                                                                                                                قوله : ( حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة ) ، فقوله : ( يتهلل ) أي يستنير فرحا وسرورا ، وقوله ( مذهبة ) ضبطوه بوجهين : أحدهما - ، وهو المشهور وبه جزم القاضي والجمهور - : ( مذهبة ) بذال معجمة وفتح الهاء وبعدها باء موحدة ، والثاني - ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره - : ( مدهنة ) بدال مهملة وضم الهاء وبعدها نون ، وشرحه الحميدي في كتابه " غريب الجمع بين الصحيحين " فقال هو وغيره ممن فسر هذه الرواية إن صحت : المدهن : الإناء الذي يدهن فيه ، وهو أيضا اسم للنقرة في الجبل التي يستجمع فيها ماء المطر ؛ فشبه صفاء وجهه الكريم بصفاء هذا الماء ، وبصفاء الدهن [ ص: 86 ] والمدهن . وقال القاضي عياض في المشارق وغيره من الأئمة : هذا تصحيف ، وهو بالذال المعجمة والباء الموحدة ، وهو المعروف في الروايات ، وعلى هذا ذكر القاضي وجهين في تفسيره أحدهما : معناه : فضة مذهبة ، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه ، والثاني : شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود ، وجمعها مذاهب ، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود ، وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض ، وأما سبب سروره صلى الله عليه وسلم ففرحا بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى ، وبذل أموالهم لله وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين وشفقة المسلمين بعضهم على بعض ، وتعاونهم على البر والتقوى ، وينبغي للإنسان إذا رأى شيئا من هذا القبيل أن يفرح ويظهر سروره ، ويكون فرحه لما ذكرناه .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ) إلى آخره ، فيه : الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات ، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات ، وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله : ( فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها ، فتتابع الناس ) وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير ، والفاتح لباب هذا الإحسان . وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم : كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة ، وقد سبق بيان هذا [ ص: 87 ] في كتاب صلاة الجمعة ، وذكرنا هناك أن البدع خمسة أقسام : واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة .

                                                                                                                قوله : ( عن عبد الرحمن بن هلال العبسي ) هو بالباء الموحدة .




                                                                                                                الخدمات العلمية