الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6351 9 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه يدخل فيه ميراث الابن على ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  ووهيب هو ابن خالد يروي عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الفرائض أيضا عن أمية بن بسطام وعن غيره ، وأخرجه أبو داود فيه أيضا عن أحمد بن صالح وغيره ، وأخرجه الترمذي عن عبد بن حميد به وغيره ، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن معمر وغيره .

                                                                                                                                                                                  وقيل : تفرد بوصله وهيب ، ورواه الثوري عن طاوس ولم يذكر ابن عباس بل أرسله ، أخرجه النسائي والطحاوي ، وأشار النسائي إلى ترجيح الإرسال ، والمرجح في الصحيحين الوصل ، وإذا تعارض الوصل والإرسال ولم يرجح أحد الطرفين قدم الوصل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ألحقوا الفرائض " أي الأنصباء المقدرة في كتاب الله وهي النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس ، وأصحابها مذكورة في الفرائض .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بأهلها " هو من يستحقها بنص القرآن ، ووقع في رواية روح بن القاسم عن ابن طاوس : اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله ، أي على وفق ما أنزل الله في كتابه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فما بقي " أي من أصحاب الفرائض ، قوله : " فهو لأولى رجل " قال النووي : المراد بالأولى الأقرب وإلا لخلا عن الفائدة لأنا لا ندري من هو [ ص: 237 ] الأحق ، وقال الخطابي : الأولى الأقرب رجل من العصبة .

                                                                                                                                                                                  وفي التلويح : قوله : " فهو لأولى رجل " يريد إذا كان في الذكور من هو أولى من صاحبه بقرب أو بطن ، فأما إذا استووا في التعدد وأدلوا بالإناث والأمهات معا كالإخوة وشبههم فلم يقصدوا بهذا الحديث لأنه ليس في البنين من هو أولى منهم لأنهم قد استووا في المنزلة ، ولا يجوز أن يقال : أولى وهم سواء فلم يرد البنين بهذا الحديث ، وإنما أراد غيرهم .

                                                                                                                                                                                  ووقع في رواية الكشميهني : فلأولى رجل بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة على وزن أفعل التفضيل من الولي بسكون اللام وهو القرب ، أي لمن يكون أقرب في النسب إلى الموروث ، وليس المراد هنا الأحق .

                                                                                                                                                                                  وقال عياض : إن في رواية ابن الحذاء عن ابن ماهان في مسلم : فهو لأدنى . بدال ونون وهو بمعنى الأقرب .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين : إنما المراد به العمة مع العم وبنت الأخ مع ابن الأخ وبنت العم مع ابن العم ، وخرج من ذلك الأخ والأخت لأبوين أو لأب ، فإنهم يرثون بنص قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ويستثنى من ذلك من يحجب كالأخ للأب مع البنت والأخت الشقيقة ، وكذا يخرج الأخ والأخت لأم بقوله تعالى فلكل واحد منهما السدس وقد نقل الإجماع على أن المراد بها الإخوة من الأم ، قوله : " رجل ذكر " فيه أقوال كثيرة أعني في توصيف الرجل بالذكورة .

                                                                                                                                                                                  الأول : قال ابن الجوزي والمنذري : هذه اللفظة ليست بمحفوظة ، وقال ابن الصلاح : فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية .

                                                                                                                                                                                  الثاني : إنما وصف الرجل بالذكر للتنبيه على سبب استحقاقه وهي الذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث .

                                                                                                                                                                                  الثالث : قال السهيلي : قوله : " ذكر " صفة لأولى لا لرجل ، والأولى بمعنى القريب الأقرب ، فكأنه قال : فهو لقريب الميت ذكر من جهة الرجل وصلب لا من جهة بطن ورحم ، فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت ، وقد أشير بذكر الرجل إلى جهة الأولوية فأفيد بذلك نفي الميراث عن الأولى الذي هو من جهة الأم كالخال .

                                                                                                                                                                                  وبقوله : " ذكر " إلى نفيها عن النساء بالعصوبة وإن كن من الأولين للميت من جهة الصلب ، ولو جعلناه صفة لرجل يلزم اللغو وأن لا يبقى معه حكم الطفل الرضيع إذ لا يطلق الرجل إلا على البالغ ، وقد علم أنه يرث ولو ابن ساعة وأن لا تحصل التفرقة بين قرابة الأب وقرابة الأم .

                                                                                                                                                                                  الرابع : قال الخطابي : إنما قال : ذكر ، لبيان إرثه بالذكورة ليعلم أن العصبة إذا كان عما أو ابن عم مثلا وكان معه أخت له لا ترث ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ورد بأنه ظاهر من التعبير بقوله رجل .

                                                                                                                                                                                  الخامس : قال ابن التين إنه للتأكيد كما في قوله : " ابن لبون ذكر " ورد بأن هذا ليس بتأكيد لفظي ولا معنوي .

                                                                                                                                                                                  السادس : قال غيره : هذا التأكيد لمتعلق الحكم وهو الذكورة لأن الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمر ، فقد حكى سيبويه : مررت برجل رجل أبوه ، فلهذا احتاج الكلام إلى زيادة التوكيد بذكر حتى لا يظن أن المراد به خصوص البالغ .

                                                                                                                                                                                  السابع : إنما قيد بذكر خشية أن يظن أن المراد من الرجل الشخص وهو أعم من الذكر والأنثى ، وفيه ما فيه على ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  الثامن : ما قاله بعض الفرضيين إنه احتراز عن الخنثى .

                                                                                                                                                                                  التاسع : ما قيل : إن المراد بالرجل الميت لأن الغالب في الأحكام أن تذكر الرجال وتدخل النساء فيهم بالتبعية .

                                                                                                                                                                                  العاشر : أنه للإشارة إلى الكمال في ذلك ، كما يقال : امرأة أنثى ، وفيه ما فيه ، وقيل غير ذلك مما الغالب فيه النظر والتردد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية