الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( قال في الأم : فإن صلوا ولم يسقوا عادوا من الغد ، وصلوا واستسقوا وإن سقوا قبل أن يصلوا صلوا شكرا [ لله ] وطلبا للزيادة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) في هذا مسألتان ( إحداهما ) قال أصحابنا : إذا استسقوا بالصلاة فسقوا لم يشرع صلاة ثانية ، وإن لم يسقوا استحب أن يستسقوا ثانيا وثالثا وأكثر حتى يسقوا ، وهل يخرجون من الغد للاستسقاء ؟ أم يتأهبون بالصيام وغيره مرة أخرى ؟ فيه للشافعي نصان ( أحدهما ) نص عليه في مختصر المزني والبويطي : يخرجون من الغد ، ويصلون ويستسقون . وقال في القديم والأم : يأمرهم الإمام بصيام ثلاثة أيام أخر ، ثم يخرج بهم إلى الاستسقاء ، ولفظه في الأم : وأحب كلما أراد الإمام العود إلى الاستسقاء أن يأمر الناس أن يصوموا قبل عوده ثلاثا ، هذا نصه في الأم ذكره في باب كيف يبتدئ الاستسقاء ، وإنما نبهت عليه لأن الأكثرين يضيفون هذا النص إلى القديم فقط . فهذا كلام الشافعي . [ ص: 85 ] وللأصحاب فيه ثلاثة طرق ( أحدها ) نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون عن أبي الحسين بن القطان في المسألة قولان ( أصحهما ) وهو الجديد : يخرجون من الغد ( والثاني ) يتأهبون بالصيام ثلاثة أيام وغيره .

                                      ( والطريق الثاني ) أن المسألة على حالين ، فإن لم يشق على الناس الخروج من الغد ولم ينقطعوا عن معايشهم خرج من الغد ، وإلا أخره وتأهبوا ، وبهذا قطع الشيخ أبو حامد الإسفراييني والمحاملي والبندنيجي وآخرون ، ونقله السرخسي في الأمالي عن الأصحاب مطلقا .

                                      ( والطريق الثالث ) نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه عن عامة الأصحاب أن المسألة على قول واحد ، نقل المزني الجواز ، والقديم الاستحباب .

                                      ( واعلم ) أن الشافعي وجماهير الأصحاب قطعوا باستحباب الاستسقاء ثانية وثالثة وأكثر حتى يسقوا ، لكن قال الشافعي والأصحاب . الاستحباب في المرة الأولى آكد ، وحكى الرافعي وجها أنهم لا يفعلون ذلك إلا مرة ، وهذا الوجه غلط مخالف نص الشافعي والأصحاب ، والدليل .

                                      ( واعلم ) أن ابن القطان قال : ليس في باب الاستسقاء مسألة فيها قولان غير هذه ، وأنكر عليه الأصحاب من وجهين ( أحدهما ) ما قاله الجمهور أن هذه المسألة ليست على قولين ، بل على حالين كما سبق ( والثاني ) أن للشافعي قولين في مسألة تحويل الرداء كما سبق ، والله أعلم .



                                      ( المسألة الثانية ) إذا تأهبوا للصلاة والاستسقاء فسقوا قبل ذلك استحب لهم الخروج إلى موضع الاستسقاء للوعظ والدعاء والشكر بلا خلاف .

                                      وأما الصلاة فقد نص الشافعي والأصحاب كما ذكر المصنف أنهم يصلون شكرا لله تعالى على هذه النعمة ، وطلبا للزيادة ، قال الشافعي في الأم : سواء سقوا قليلا أو كثيرا ، وتكون هذه الصلاة بصفة صلاة الاستسقاء ، وذكر إمام الحرمين والغزالي في استحباب الصلاة وجهين ( أصحهما ) الاستحباب ( والثاني ) لا ، قال الرافعي : وأجري الوجهان : فيما إذا لم تنقطع المياه ، وأرادوا الصلاة للاستزادة والصواب الجزم بالصلاة كما نص عليه الشافعي والمصنف والأصحاب . ولا تغتر بما وقع في كلام بعض المتأخرين من أن الأشهر ترك الصلاة فإنه غلط فاحش ، وسبق قلم أو غباوة ، وإلا [ ص: 86 ] فكتب الأصحاب متظاهرة على استحباب الصلاة ، وممن ذكرها الشافعي والشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي في كتبه والقاضي أبو الطيب وسليم الرازي وصاحب العدة والبغوي والشيخ نصر المقدسي في كتبه وخلائق لا يحصون . قال الشافعي في الأم : فلو كانوا يمطرون في الوقت الذي يريد الخروج بهم فيه استسقى في المسجد أو أخر ذلك إلى انقطاع المطر .




                                      الخدمات العلمية