الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر حرب بين السلطان مسعود والملك داود ومن معه من الأمراء

لما فارق الراشد بالله أتابك زنكي من الموصل سار نحو أذربيجان ، فوصل مراغة ، وكان الأمير منكبرس صاحب فارس ، ونائبه بخوزستان الأمير بوزابة ، والأمير عبد الرحمن طغايرك صاحب خلخال ، والملك داود ابن السلطان محمود ، مستشعرين من السلطان مسعود ، خائفين منه ، فتجمعوا ، ووافقوا الراشد على الاجتماع معهم لتكون أيديهم واحدة ، ويردوه إلى الخلافة ، فأجابهم إلى ذلك ، إلا أنه لم يجتمع معهم .

ووصل الخبر إلى السلطان مسعود وهو ببغداد باجتماعهم ، فسار عنها في شعبان [ ص: 94 ] نحوهم ، فالتقوا ببنجن كشت ، فاقتتلوا فهزمهم السلطان مسعود ، وأخذ الأمير منكبرس أسيرا ، فقتل بين يديه صبرا ، وتفرق عسكر مسعود في النهب واتباع المنهزمين .

وكان بوزابة وعبد الرحمن طغايرك على نشز من الأرض ، فرأيا السلطان مسعودا وقد تفرق عسكره عنه ، فحملا عليه وهو في قلة فلم يثبت لهما وانهزم ، وقبض بوزابة على جماعة من الأمراء ، منهم : صدقة بن دبيس صاحب الحلة ، ومنهم ولد أتابك قراسنقر صاحب أذربيجان ، وعنتر بن أبي العسكر ، وغيرهم ، وتركهم عنده .

فلما بلغه قتل صاحبه منكبرس قتلهم أجمعين ، وصار العسكران مهزومين ، وكان هذا من أعجب الاتفاق .

وقصد السلطان مسعود أذربيجان ، وقصد الملك داود همذان ، ووصل إليها الراشد بعد الوقعة فاختلفت آراء الجماعة ، فبعضهم أشار بقصد العراق والتغلب عليه ، وبعضهم أشار باتباع السلطان مسعود للفراغ منه ، فإن ما بعده يهون عليهم ، وكان بوازبة أكبر الجماعة ، فلم ير ذلك ، وكان غرضه إلى بلاد فارس وأخذها بعد قتل صاحبها منكبرس قبل أن يمتنع من بها عليه ، فبطل عليهم ما كانوا فيه ، وسار إليها ملكها ، وصارت له مع خوزستان .

وسار سلجوقشاه ابن السلطان محمد إلى بغداد ليملكها ، فخرج إليه البقش الشحنة بها ، ونظر الخادم أمير الحاج ، وقاتلوه ومنعوه ، وكان عاجزا مستضعفا ، ولما قتل صدقة بن دبيس أقر السلطان مسعود الحلة على أخيه محمد بن دبيس ، وجعل معه مهلهل بن أبي العسكر أخا عنتر المقتول يدبر أمره .

ولما كان البقش شحنة بغداد يقاتل سلجوقشاه ثار العيارون ببغداد ونهبوا الأموال ، وقتلوا الرجال ، وزاد أمرهم حتى كانوا يقصدون أرباب الأموال ظاهرا ، ويأخذون منهم ما يريدون ، ويحملون الأمتعة على رءوس الحمالين ، فلما عاد الشحنة قتل منهم وصلب ، وغلت الأسعار ، وكثر الظلم منه ، وأخذ المستورين بحجة العيارين ، فجلا الناس عن بغداد إلى الموصل وغيرها من البلاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية