الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 491 ] المسألة الثالثة عشرة

              وذلك تفاوت الطلب فيما كان متبوعا مع التابع له ، وأن الطلب المتوجه للجملة أعلى رتبة ، وآكد في الاعتبار من الطلب المتوجه إلى التفاصيل ، أو الأوصاف ، أو خصوص الجزئيات والدليل على ذلك ما تقدم من أن المتبوع بالقصد الأول ، وأن التابع مقصود بالقصد الثاني ، وما قصد بالقصد الأول آكد في الشرع والعقل مما يقصد الثاني ولأجل ذلك يلغى جانب التابع في جنب المتبوع ، فلا يعتبر التابع إذا كان اعتباره يعود على المتبوع بالإخلال ، أو يصير منه كالجزء ، أو كالصفة ، أو التكملة .

              وبالجملة فهذا المعنى مبسوط فيما تقدم ، وكله دليل على قوة المتبوع في الاعتبار وضعف التابع فالأمر المتعلق بالمتبوع آكد في الاعتبار من الأمر المتعلق بالتابع .

              [ ص: 492 ] وبهذا الترتيب يعلم أن الأوامر في الشريعة لا تجري في التأكيد مجرى واحدا ، وأنها لا تدخل تحت قصد واحد ، فإن الأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية ولا التحسينية ولا الأمور المكملة للضروريات كالضروريات أنفسها ، بل بينهما تفاوت معلوم ، بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزان واحد كالطلب المتعلق بأصل الدين ليس في التأكيد كالنفس ولا النفس كالعقل إلى سائر أصناف الضروريات .

              والحاجيات كذلك فليس الطلب بالنسبة إلى التمتعات المباحة التي لا معارض لها كالطلب بالنسبة إلى ما له معارض كالتمتع باللذات المباحة مع استعمال القرض والسلم والمساقاة ، وأشباه ذلك ولا أيضا طلب هذه كطلب الرخص التي يلزم في تركها حرج على الجملة ولا طلب هذه كطلب ما يلزم في تركه تكليف ما لا يطاق ، وكذلك التحسينيات حرفا بحرف .

              فإطلاق القول في الشريعة بأن الأمر للوجوب ، أو للندب ، أو للإباحة [ ص: 493 ] أو مشترك ، أو لغير ذلك مما يعد في تقرير الخلاف في المسألة إلى هذا المعنى يرجع الأمر فيه فإنهم يقولون إنه للوجوب ما لم يدل دليل على خلاف ذلك فكان المعنى يرجع إلى اتباع الدليل في كل أمر ، وإذا كان كذلك [ ص: 494 ] رجع إلى ما ذكر ، لكن إطلاق القول فيما لم يظهر دليله صعب ، وأقرب المذاهب في المسألة مذهب الواقفية وليس في كلام العرب ما يرشد إلى اعتبار جهة من تلك الجهات دون صاحبتها .

              فالضابط في ذلك أن ينظر في كل أمر : هل هو مطلوب طلب الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات ، فإذا كان من قسم الضروريات مثلا نظر هل هو مطلوب فيها بالقصد الأول أم بالقصد الثاني ، فإن كان مطلوبا بالقصد الأول فهو في أعلى المراتب في ذلك النوع ، وإن كان من المطلوب بالقصد الثاني نظر هل يصح إقامة أصل الضروري في الوجود بدونه حتى يطلق على العمل اسم ذلك الضروري أم لا ، فإن لم يصح فذلك المطلوب قائم مقام الركن والجزء المقام لأصل الضروري ، وإن صح أن يطلق عليه الاسم بدونه فذلك المطلوب ليس بركن ولكنه مكمل ، ومتمم ، إما من الحاجيات ، وإما من التحسينيات فينظر في مراتبه على الترتيب المذكور ، أو نحوه بحسب ما يؤدي إليه الاستقراء في الشرع في كل جزء منها .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية