الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        94 - الحديث الثاني عشر : عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال : [ ص: 253 ] { سألت أنس بن مالك : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ؟ قال : نعم } .

                                        التالي السابق


                                        سعيد بن يزيد بن مسلمة أبو مسلمة أزدي طاحي - بالطاء المهملة والحاء المهملة أيضا - منسوب إلى طاحية - بطن من الأزد - من أهل البصرة ، متفق على الاحتجاج بحديثه . والحديث دليل على جواز الصلاة في النعال . ولا ينبغي أن يؤخذ منه الاستحباب ، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة . فإن قلت : لعله من باب الزينة ، وكمال الهيئة ، فيجري مجرى الأردية والثياب التي يستحب التجمل بها في الصلاة ؟ . قلت : هو - وإن كان كذلك - إلا أن ملابسته للأرض التي تكثر فيها النجاسات مما يقصر به عن هذا المقصود ، ولكن البناء على الأصل ، إن انتهض دليلا على الجواز ، فيعمل به في ذلك . والقصور الذي ذكرناه عن الثياب المتجمل بها يمنع من إلحاقه بالمستحبات إلا أن يرد دليل شرعي بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ، ويترك هذا النظر ، ومما يقوي هذا النظر - إن لم يرد دليل على خلافه - أن التزين في الصلاة من الرتبة الثالثة من المصالح ، وهي رتبة التزيينات والتحسينات ، ومراعاة أمر النجاسة : من الرتبة الأولى وهي الضروريات ، أو من الثانية وهي الحاجيات على حسب اختلاف العلماء في حكم إزالة النجاسة . فيكون رعاية الأولى بدفع ما قد يكون مزيلا لها أرجح بالنظر إليها . ويعمل بذلك في عدم الاستحباب . [ ص: 254 ] وبالحديث في الجواز ، وترتب كل حكم على ما يناسبه ، ما لم يمنع من ذلك مانع . والله أعلم . وقد يكون في الحديث دليل على جواز البناء على الأصل في حكم النجاسات والطهارات . واختلف الفقهاء فيما إذا عارضه الغالب : أيهما يقدم ؟ وقد جاء في الحديث الأمر بالنظر إلى النعلين ، ودلكهما إن رأى فيهما أذى ، أو كما قال فإذا كان الغالب إصابة النجاسة : فالظاهر رؤيتها لأمره بالنظر ، فإذا رآها فالظاهر دلكهما لأمره بذلك عند الرؤية . فإذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم - وكان طهورا لهما ، على ما جاء في الحديث - لم يكن ذلك من باب تعارض الأصل والغالب ، بل يكون من ذلك الباب : ما لو صلى فيهما من غير ذلك . فإن قلت : الأصل عدم دلكه . قلت : لكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء من هذا لم يتركه ، كما بيناه . والظن المستفاد بهذا راجح على الأصل الذي ذكرته ، وهو أنه لم يدلكه . .




                                        الخدمات العلمية