الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6396 7 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو حصين ، سمعت عمير بن سعيد النخعي قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت ، فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر ، فإنه لو مات وديته ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في آخر الحديث ; لأن معنى قوله : " لم يسنه " لم يقدر فيه حدا مضبوطا ، كذا فسره النووي ، وقيل : معناه : لم يعينه بضرب السياط ، وهو مطابق للترجمة ; لأنه ليس فيه حد معلوم .

                                                                                                                                                                                  وسفيان هو الثوري ، وأبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين ، واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي ، وعمير بضم العين وفتح الميم - ابن سعيد بالياء بعد العين النخعي ، كذا ضبطه الكرماني ، وقال : لم يتقدم ذكره ، ويروى سعد بدون الياء ، وهو سهو ، قاله الغساني ، وقال النووي : هكذا وقع في جميع النسخ من الصحيحين ، ووقع للحميدي في الجميع سعد بسكون العين ، وهو غلط ، ووقع في المهذب عمر بن سعد بحذف الياء [ ص: 269 ] منهما ، وهو غلط فاحش ، وقال بعضهم : ووقع للنسائي والطحاوي عمر - بضم العين وفتح الميم .

                                                                                                                                                                                  قلت : لم يقع للطحاوي ما ذكره ، فإني شرحت معاني الآثار له ، وليس فيه إلا عمير بن سعيد مثل ما وقع للبخاري وغيره ، وهو تابعي كبير ثقة ، مات سنة خمس عشرة ومائة .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الحدود أيضا ، عن محمد بن المنهال وغيره ، وأخرجه أبو داود فيه عن إسماعيل بن موسى ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن إسماعيل به ، وعن غيره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما كنت لأقيم " اللام فيه مكسورة ; لتأكيد النفي كما في قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم وأقيم منصوب بأن المقدرة فيه . قوله : " فيموت " بالنصب . قوله: " فأجد " بالرفع ، قاله الكرماني من وجد الرجل يجد إذا حزن ، وقال الطيبي : قوله : " فيموت " مسبب عن أقيم ، وقوله : " فأجد " مسبب عن مجموع السبب والمسبب ، والاستثناء في قوله : " إلا صاحب الخمر " منقطع ، أي : لكن أجد من صاحب الخمر إذا مات شيئا ، ويجوز أن يكون التقدير : ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا من موت صاحب الخمر ، فيكون متصلا . قوله : " وديته " أي أعطيت ديته وغرمتها ، من ودى يدي دية ، أصلها ودية . قوله : " وذلك " إشارة إلى ما قاله : " ما كنت لأقيم " إلى آخره . قوله : " لم يسنه " قد مر تفسيره الآن ، وفي رواية ابن ماجه : " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئا إنما هو شيء جعلناه نحن " .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : روى الطحاوي : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن الداناج ، عن حصين بن المنذر الرقاشي أبي ساسان ، عن علي رضي الله تعالى عنه ، قال : جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين ، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أربعين ، وكملها عمر رضي الله تعالى عنه ثمانين وكل سنة ، وأخرجه أبو داود عن مسدد نحوه . قوله: " وكل سنة " أي كل واحد من الأربعين والثمانين سنة ، وقال الخطابي : تقول إن الأربعين سنة قد عمل بها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في زمانه ، والثمانين سنة قد عمل بها عمر رضي الله تعالى عنه في زمانه .

                                                                                                                                                                                  قلت : ولما روى الطحاوي هذا قال : ذهب قوم إلى أن الحد الذي يجب على شارب الخمر إنما هو أربعون ، واحتجوا بهذا الحديث ، ثم قال : وخالفهم في ذلك آخرون ، فادعوا فساد هذا الحديث ، وأنكروا أن يكون علي رضي الله عنه قال من ذلك شيئا ; لأنه قد روي عنه ما يخالف ذلك ويدفعه ، ثم روى حديث عمير بن سعيد عنه الذي مضى الآن ، ثم أطال الكلام في دفع هذا الحديث الذي رواه الداناج المذكور عن حصين عنه ، وقال غيره : حديث الداناج غير صحيح ; لأن حديث البخاري - أعني المذكور هنا - يرده ويخالفه ، وفي قول علي رضي الله عنه : " ما كنت لأقيم حدا " إلخ ، حجة لمن قال : لا قود على أحد إذا مات المحدود في الضرب ، وقال أصحابنا : لا دية فيه على الإمام ، وعليه الكفارة . وقيل : على بيت المال ، لكنهم اختلفوا فيمن مات من التعزير ; فقال الشافعي : عقله على عاقلة الإمام ، وعليه الكفارة ، وقيل : على بيت المال ، وجمهور العلماء على أنه لا يجب شيء على أحد ، وفي التوضيح : اختلف إذا مات في ضربه على أقوال ; فقال مالك وأحمد : لا ضمان على الإمام ، والحق قتله ، وقال الشافعي : إن مات المحدود وكان ضربه بأطراف الثياب والنعال لا يضمن الإمام قولا واحدا ، وإن كان ضربه بالسوط ، فإنه يضمن ، وفي صفة ما يضمن وجهان أحدهما يضمن جميع الدية ، والثاني لا يضمن إلا ما زاد على ألم النعال ، وعنه أيضا إن ضرب بالنعال وأطراف الثياب ضربا يحيط العلم أنه لا يبلغ الأربعين أو يبلغها أو لا يتجاوزها فمات ، فالحق قتله ، فإن كان كذلك ، فلا عقل ولا دية ولا كفارة على الإمام ، وإن ضربه أربعين سوطا فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية