الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ومن أودع رجلا وديعة فأودعها آخر فهلكت فله أن يضمن الأول وليس له أن يضمن الآخر ، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : له أن يضمن أيهما شاء ، فإن ضمن الأول لا يرجع على الآخر ، وإن ضمن الآخر رجع على الأول ) لهما أنه قبض المال من يد ضمين فيضمنه كمودع الغاصب ، وهذا ; لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديا بالتسليم والثاني بالقبض فيخير بينهما غير أنه إن ضمن الأول لم يرجع على الثاني ; لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه ، وإن ضمن الثاني رجع على الأول ; لأنه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة . وله أنه قبض المال من يد أمين ; لأنه بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدي منهما ، فإذا فارقه فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك . وأما الثاني فمستمر على الحالة الأولى ولم يوجد منه صنع فلا يضمنه كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره .

                                                                                                        قال : ( ومن كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما أنها له أودعها إياه وأبى أن يحلف لهما فالألف بينهما وعليه ألف أخرى بينهما ) وشرح ذلك أن دعوى كل واحد صحيحة لاحتمالها الصدق فيستحق الحلف على المنكر بالحديث ويحلف لكل واحد منهما على الانفراد لتغاير الحقين ، [ ص: 244 ] وبأيهما بدأ القاضي جاز لتعذر الجمع بينهما وعدم الأولوية ، ولو تشاحا أقرع بينهما تطييبا لقلبهما ونفيا لتهمة الميل ، ثم إن حلف لأحدهما يحلف للثاني ، فإن حلف فلا شيء لهما لعدم الحجة ، وإن نكل أعني للثاني يقضى له لوجود الحجة ، وإن نكل للأول يحلف للثاني ، ولا يقضى بالنكول بخلاف ما إذا أقر لأحدهما ; لأن الإقرار حجة موجبة بنفسه فيقضى به .

                                                                                                        أما النكول إنما يصير حجة عند القضاء فجاز أن يؤخره ليحلف للثاني فينكشف وجه القضاء ، ولو نكل للثاني أيضا يقضي بها بينهما نصفين على ما ذكر في الكتاب لاستوائهما في الحجة ، كما إذا أقاما البينة ويغرم ألفا أخرى بينهما ; لأنه أوجب الحق لكل واحد منهما ببذله أو بإقراره وذلك حجة في حقه ، وبالصرف إليهما صار قاضيا نصف حق كل واحد منهما بنصف الآخر فيغرمه ، ولو قضى القاضي للأول حين نكل ذكر الإمام علي البزدوي رحمه الله في شرح الجامع الصغير أنه يحلف للثاني ، فإذا نكل يقضى بها بينهما ; لأن القضاء للأول لا يبطل حق الثاني ; لأنه يقدمه إما بنفسه أو بالقرعة وكل ذلك لا يبطل حق الثاني .

                                                                                                        وذكر الخصاف رحمه الله أنه ينفذ قضاؤه للأول ووضع المسألة في العبد ، وإنما نفذ لمصادفته محل الاجتهاد ; لأن من العلماء من قال يقضي للأول ولا ينتظر لكونه إقرارا دلالة ، ثم لا يحلف للثاني ما هذا العبد لي ; لأن نكوله لا يفيد بعدما صار للأول ، وهل يحلفه بالله ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته وهو كذا وكذا ولا أقل منه . قال ينبغي أن يحلفه عند محمد رحمه الله ، خلافا لأبي يوسف رحمه الله ، بناء على أن المودع إذا أقر الوديعة ودفع بالقضاء إلى غيره يضمنه عند محمد رحمه الله خلافا له وهذه فريعة تلك المسألة وقد وقع فيه بعض الإطناب ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية