الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم انتقض عهدهم ، إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ، ونحو ذلك ، فلا ينتقض عهدهم ، ويغرمون ما أتلفوه من نفس ، أو مال . وإن استعانوا بأهل الحرب ، وأمنوهم لم يصح أمانهم ، وإن أظهر قوم رأي الخوارج ، ولم يجتمعوا لحرب ، لم يتعرض لهم ، وإن سبوا الإمام عزرهم ، وإن جنوا جناية أو أتوا حدا أقامه عليهم ، وإن اقتتلت طائفتان لعصبية ، أو طلب رئاسة فهما ظالمتان ، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم ) طوعا مع علمهم بأن ذلك لا يجوز ( انتقض عهدهم ) قدمه في " الرعاية " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، وصححه ابن أبي موسى ، كما لو انفردوا بقتالهم ، وحكمهم حكم أهل الحرب ، وقيل : لا ينتقض ، لأن أهل الذمة لا يعرفون المحق من المبطل ، فيكون ذلك شبهة لهم ، فعلى هذا حكمهم حكم البغاة في قتل مقبلهم ، والكف عن أسيرهم ، ومدبرهم ، وجريحهم ، والمعاهد كالذمي ، قاله في " الرعاية " ، وفي " الكافي " و " الشرح " : إن حكمه حكم أهل الحرب إلا أن يقيم بينة على الإكراه ، لأن عقد الذمة مؤبد ، ولا يجوز نقضه لخوف الخيانة منهم ، ويلزم الدفع عنهم ، والمستأمنون بخلاف هذا ( إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ، ونحو ذلك ، فلا ينتقض عهدهم ) وجها واحدا ، لأن ما ادعوه محتمل ، فلا ينتقض عهدهم مع الشبهة ، وفي " الرعاية " في الأصح ، وفي " الترغيب " : وجهان ( ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال ) في الأصح حال الحرب وغيره ، بخلاف أهل البغي ، لأن هؤلاء لا تأويل لهم ، لأن سقوط الضمان عن المسلمين كيلا يؤدي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة ، وأهل الذمة لا حاجة بنا إلى ذلك فيهم ، والثاني : لا يضمنون كالمسلمين .

                                                                                                                          [ ص: 168 ] ( وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم ) أو عقدوا لهم ذمة ( لم يصح أمانهم ) لأن الأمان من شرط صحته إلزام كفهم عن المسلمين ، ولأهل العدل قتلهم لمن لم يؤمنوه ، وحكم أسيرهم حكم أسير أهل الحرب قبل الاستعانة بهم ، فأما البغاة فلا يجوز لهم قتلهم ، لأنهم أمنوهم فلا يجوز لهم الغدر بهم ، قال في " الفروع " : إلا أنهم في أمان بالنسبة إلى بغاة .

                                                                                                                          أصل : إذا استعانوا بمستأمنين فأعانوهم انتقض عهدهم ، وصاروا كأهل الحرب ، لأنهم تركوا كفهم عن قتال المسلمين ، فإن فعلوا ذلك مكرهين لم ينتقض عهدهم ، وإن ادعوه لم يقبل إلا ببينة ، لأن الأصل عدمه ( وإن أظهر قوم رأي الخوارج ) مثل تكفير من ارتكب كبيرة ، وترك الجماعة ( ولم يجتمعوا لحرب ) ولم يخرجوا عن قبضة الإمام ، ولم يسفكوا دما حراما ، فحكى القاضي عن أبي بكر : أنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم ، ولهذا قال ( لم يتعرض ) لهم ، وهذا قول جمهور الفقهاء ، لما روي أن علي بن أبي طالب كان يخطب ، فقال رجل بباب المسجد : لا حكم إلا لله ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، ثم قال : لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين كانوا معه في المدينة ، فعلى هذا : حكمهم في ضمان النفس ، والمال حكم المسلمين ، وسأله المروذي عن قوم من أهل البدع يتعرضون ويكفرون ، قال : لا تعرضوا لهم ، قلت : وأي شيء يكره من أن يحبسوا ، قال : لهم والدات وأخوات ، وقال في رواية ابن منصور : الحرورية إذا دعوا إلى ما هم عليه إلى دينهم فقاتلهم ، وإلا فلا يقاتلون [ ص: 169 ] ( وإن سبوا الإمام ) أو غيره من أهل العدل صريحا ( عزرهم ) لأنهم ارتكبوا محرما لا حد فيه ولا كفارة ، وإن عرضوا بالسب ففي تعزيرهم وجهان ، وقال في الإباضية ، وسائر أهل البدع : يستتابون ، فإن تابوا ، وإلا ضربت أعناقهم ، وأما من رأى تكفيرهم فمقتضى قوله : أنهم يستتابون ، فإن تابوا ، وإلا قتلوا لكفرهم ( وإن جنوا جناية أو أتوا حدا أقامه عليهم ) لقول علي في ابن ملجم لما جرحه : أطعموه ، واسقوه ، واحبسوه ، فإن عشت فأنا ولي دمي ، وإن مت فاقتلوه ، ولا تمثلوا به ، ولأنهم ليسوا ببغاة فهم كأهل العدل فيما لهم وعليهم ، ولأن في إسقاط ذلك عنهم تجرئتهم على الفعل ، وذلك مطلوب العدم .

                                                                                                                          أصل : قال أحمد في مبتدع داعية له دعاة : أرى حبسه ، وكذا في " التبصرة " : على الإمام منعهم وردعهم ، ولا يقاتلهم إلا أن يجتمعوا لحربه فكبغاة ، وقال أحمد أيضا في الحرورية : الداعية يقاتل كبغاة ، ونقل ابن منصور يقاتل من منع الزكاة ، وكل من منع فريضة ، فعلى المسلمين قتاله حتى يأخذوها منه ، اختاره أبو الفرج ، والشيخ تقي الدين ، وقال : أجمعوا أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله ، كالمحاربين وأولى ، وذكر ابن عقيل عن الأصحاب تكفير من خالف في أصل ، كخوارج ، ورافضة ، ومرجئة ، وذكره غيره روايتين فيمن قال : لم يخلق الله المعاصي ، أو وقف فيمن حكمنا بكفره ، وفيمن سب صحابيا غير مستحل ، وإن استحله كفر ، وفي " المغني " : يخرج في كل محرم استحل بتأويل كالخوارج ، وفي " نهاية المبتدئ " : من سب صحابيا مستحلا كفر ، وإلا فسق ، وذكر ابن حامد كفر الخوارج ، [ ص: 170 ] والرافضة ، والقدرية ، والمرجئة ، ومن لم يكفر من كفرناه فسق وهجر ، وفي كفره وجهان ، والذي ذكره هو وغيره من رواية المروذي ، وأبي طالب ، ويعقوب ، وغيرهم : أنه لا يكفر ، قال الشيخ تقي الدين : وهي ظاهر نصوصه ، بل صريحة فيه ، وإنما كفرنا الجهمية لا أعيانهم ( وإن اقتتلت طائفتان لعصبية ، أو طلب رئاسة فهما ظالمتان ) لأن كل واحدة باغية على صاحبتها ( وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى ) لأنها أتلفت نفسا معصومة ومالا معصوما ، قال الشيخ تقي الدين : فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة ، وإن لم يعلم عين المتلف ، قال : وإن تقابلا تقاصا ، لأن المباشر ، والمعين واحد عند الجمهور ، قال : وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا ، ومن دخل للإصلاح فقتلته طائفة ضمنته ، وإن جهلت ضمنتاه ، قال ابن عقيل : ويخالف المقتول في زحام الجامع ، والطواف ، لأن الزحام هنا ليس فيه تعد ، بخلاف الأول .




                                                                                                                          الخدمات العلمية