الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1493 حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو شهاب قال قدمت متمتعا مكة بعمرة فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيام فقال لي أناس من أهل مكة تصير الآن حجتك مكية فدخلت على عطاء أستفتيه فقال حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا قال أبو عبد الله أبو شهاب ليس له مسند إلا هذا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا أبو شهاب ) هو الأكبر ، واسمه موسى بن نافع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حجك مكيا ) في رواية الكشميهني " حجتك مكية " يعني قليلة الثواب لقلة مشقتها ، وقال ابن بطال معناه أنك تنشئ حجك من مكة كما ينشئ أهل مكة منها فيفوتك فضل الإحرام من الميقات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فدخلت على عطاء ) أي ابن أبي رباح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يوم ساق البدن معه ) بضم الموحدة وإسكان الدال ، جمع بدنة ، وذلك في حجة الوداع ، وقد رواه مسلم ، عن ابن نمير ، عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ : " عام ساق الهدي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال لهم : أحلوا من إحرامكم . . . إلخ ) أي اجعلوا حجكم عمرة ، وتحللوا منها بالطواف والسعي .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 504 ] قوله : ( وقصروا ) إنما أمرهم بذلك لأنهم يهلون بعد قليل بالحج ، فأخر الحلق ، لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( واجعلوا التي قدمتم بها متعة ) أي اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تتحللوا منها ، فتصيروا متمتعين ، فأطلق على العمرة متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة . ووقع في رواية عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء عند مسلم : فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة . ونحوه في رواية الباقر ، عن جابر في الخبر الطويل عند مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : افعلوا ما أمرتكم ، فلولا أني سقت الهدي . . . إلخ ) فيه ما كان عليه - عليه السلام - من تطييب قلوب أصحابه وتلطفه بهم وحلمه عنهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يحل مني حرام ) بكسر حاء يحل ؛ أي شيء حرام ، والمعنى لا يحل مني ما حرم علي ، ووقع في رواية مسلم : " لا يحل مني حراما " . بالنصب على المفعولية ، وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله ، والفاعل محذوف تقديره : لا يحل طول المكث ونحو ذلك مني شيئا حراما حتى يبلغ الهدي محله ، أي إذا نحر يوم منى . واستدل به على أن من اعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ، وقد تقدم حديث حفصة نحوه ، ويأتي حديث عائشة من طريق عقيل ، عن الزهري ، عن عروة عنها بلفظ : من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى ينحر . وتأول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه : ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهل بالحج ، ولا يحل حتى ينحر هديه ، ولا يخفى ما فيه . قلت : فإنه خلاف ظاهر الأحاديث المذكورة ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو عبد الله ) هو المصنف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أبو شهاب ليس له حديث مسند إلا هذا ) أي لم يرو حديثا مرفوعا إلا هذا الحديث ، قال مغلطاي : كأنه يقول من كان هكذا لا يجعل حديثه أصلا من أصول العلم . قلت : إذا كان موصوفا بصفة من يصحح حديثه لم يضره ذلك مع أنه قد توبع عليه . ثم كلام مغلطاي محمول على ظاهر الإطلاق ، وقد أجاب غيره بأنه مقيد بالرواية عن عطاء ، فإن حديثه هذا طرف من حديث جابر الطويل الذي انفرد مسلم بسياقه من طريق جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جابر ، وفي هذا الطرف زيادة بيان لصفة التحلل من العمرة ، ليس في الحديث الطويل حيث قال فيه : أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة ، وقصروا ثم أقيموا حلالا إلى يوم التروية وأهلوا بالحج ويستفاد منه جواز جواب المفتي لمن سأله عن حكم خاص بأن يذكر له قصة مسندة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتمل على جواب سؤاله ويكون ما اشتملت عليه من الفوائد الزائدة على ذلك زيادة خير ، وينبغي أن يكون محل ذلك لائقا بحال السائل .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف حديث اختلاف عثمان وعلي في التمتع وقد تقدم من وجه آخر وهو ثاني أحاديث هذا الباب ، فاشتملت أحاديث الباب على ما ترجم به ، فحديث عائشة من طريق يؤخذ منه الفسخ والإفراد ، وحديث علي من طريقه يؤخذ منه التمتع والقران ، وحديث ابن عباس يؤخذ منه الفسخ ، وكذا حديث أبي موسى وجابر ، وحديث حفصة يؤخذ منه أن من تمتع بالعمرة إلى الحج لا يحل من عمرته إن كان ساق الهدي ، وكذا حديث جابر ، وحديث ابن عباس الثاني يؤخذ منه مشروعية التمتع ، وكذا حديث جابر أيضا . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية