الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العواري المعلومة والمجهولة وهل تلزم المعير أو يكون بالخيار

                                                                                                                                                                                        العواري هبات تجوز معلومة ومجهولة وعلى غرر وهي في لزومها المعير وفي رجوعها إليه على ثلاثة أقسام:

                                                                                                                                                                                        فقسم يلزم الوفاء به بالعقد ثم يعود إليه، وقسم مختلف فيه هل يلزم أم لا، وقسم مختلف فيه هل تلزم للأبد ولا يرجع إليه إلا عند الحاجة أو يكون بالخيار فإن ضرب أجلا وقال: أعيرك هذه الدار لتسكنها أو هذه الأرض لتبني فيها أو تغرس أو هذا الحائط لتبني عليه أو لتحمل عليه خشبا أو هذا العبد أو هذه الدابة أو هذا الثوب شهرا أو سنة لزمه ذلك.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا لم يضرب أجلا وكان له قدر معلوم وقال: أعيرك هذه الدابة لتبلغ عليها بلدا سماه أو لتحمل عليها حملا أو هذا العبد ليبني له بيتا أو ليخيط له ثوبا فهي تلزم كالأول وهبة الرقاب والمنافع في باب الإلزام سواء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يضرب أجلا ولا تعلم مدة انقضاء ما استعار له فقال أعيرك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذا العبد أو الدابة أو الثوب ولم يزد على ذلك فقيل: المعير بالخيار في تسليم ذلك وإمساكه وإن سلمه كان له أن يسترده وإن قرب وقيل ذلك لازم للمعير حتى يستوفي المعار القدر الذي يرى أنه أعار إلى مثله.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المدونة فيمن أعار رجلا أرضا على أن يبني أو [ ص: 6039 ] يغرس ففعل، قال: للمعير أن يخرجه وإن كان بحدثان ذلك ويعطيه قيمة بنائه قائما .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: له أن يخرجه ويعطيه قيمته منقوضا ، وقال ابن القاسم في الدمياطية: إن كانت العارية ليبني ويسكن لم يخرجه حتى يمر من الزمان قدر ما يرى . يريد أنه أعاره إليه قال: لأنه بنى وهو يراه، وإن لم تكن العارية ليبني فإن له أن يخرجه الآن. وظاهر قوله أنه لو أعاره ليبني ثم أدركه قبل البناء أن له أن يخرجه.

                                                                                                                                                                                        وقال القاضي أبو الحسن علي بن القصار: إذا أعار ليبني أو يغرس لزمه ذلك بالقول والقبول وليس له أن يرجع في ذلك، ويكون للمستعير مدة ينتفع فيها بمثل ما استعار له . ولم يذكر إذا كانت العارية مبهمة ولم يذكر بناء ولا غرسا وأرى إن بنى أو غرس بعلمه فلم ينكر عليه أنه يترك لمدة يرى أنه يترك [ ص: 6040 ] لمثلها من أحدث مثل ذلك وإن لم يعلم وكان هناك دليل لما فعله كالذي يعير أرضا بين ديار فيبنيها دارا فمعلوم أن المراد أن يجعلها دارا ولا يلزمه ذلك إن كانت بين حوانيت فبناها حانوتا لأنه يصح أن يبيع فيها وهي قاعة أو كانت بين بساتين فغرسها; لأنه يصح أن يزرعها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية