الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 344 ] باب الضمان ( 3570 ) مسألة ; قال : ( ومن ضمن عنه حق بعد وجوبه ، أو قال : ما أعطيته فهو علي . فقد لزمه ما صح أنه أعطاه ) . الضمان : ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق . فيثبت في ذمتهما جميعا ، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما ، واشتقاقه من الضم . وقال القاضي : هو مشتق من التضمين ; لأن ذمة الضامن تتضمن الحق .

                                                                                                                                            والأصل في جوازه ، الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقول الله تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } . وقال ابن عباس : الزعيم الكفيل . وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الزعيم غارم } رواه أبو داود ، والترمذي . وقال : حديث حسن ، وروى البخاري ، عن سلمة بن الأكوع ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل ليصلي عليه ، فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : نعم ، ديناران . قال : هل ترك لهما وفاء ؟ قالوا : لا ، فتأخر ، فقيل : لم لا تصل عليه ؟ : فقال : ما تنفعه صلاتي وذمته مرهونة ؟ ألا إن قام أحدكم فضمنه . فقام أبو قتادة ، فقال : هما علي يا رسول الله ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم } . وأجمع المسلمون على جواز الضمان في الجملة .

                                                                                                                                            وإنما اختلفوا في فروع نذكرها إن شاء الله تعالى . إذا ثبت هذا ، فإنه يقال : ضمين ، وكفيل ، وقبيل ، وحميل ، وزعيم ، وصبير ، بمعني واحد . ولا بد في الضمان من ضامن ، ومضمون عنه ، ومضمون له . ولا بد من رضى الضامن ، فإن أكره على الضمان لم يصح ، ولا يعتبر رضى المضمون عنه . لا نعلم فيه خلافا . لأنه لو قضي الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح ، فكذلك إذا ضمن عنه . ولا يعتبر رضى المضمون له .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ومحمد : يعتبر ; لأنه إثبات مال لآدمي ، فلم يثبت إلا برضاه أو رضى من ينوب عنه ، كالبيع والشراء . وعن أصحاب الشافعي كالمذهبين . ولنا ، أن أبا قتادة ضمن من غير رضى المضمون عنه ، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك روي عن علي . رضي الله عنه ولأنهما وثيقة لا يعتبر فيها قبض ، فأشبهت الشهادة ، ولأنه ضمان دين ، فأشبه ضمان بعض الورثة دين الميت للغائب ، وقد سلموه .

                                                                                                                                            ( 3571 ) فصل : ولا يعتبر أن يعرفهما الضامن . وقال القاضي : يعتبر معرفتهما ، ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أولا ؟ وليعرف المضمون له ، فيؤدي إليه . وذكر وجها آخر ، أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك . ولا تعتبر معرفة المضمون عنه ; لأنه لا معاملة بينه وبينه . ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه . ولنا ، حديث علي وأبي قتادة ، فإنهما ضمنا لمن لم يعرفاه عمن لم يعرفاه . ولأنه تبرع بالتزام مال ، فلم يعتبر معرفة من يتبرع له به ، كالنذر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية