الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                خرج البخاري في هذا الباب حديث عمار من رواية أبي موسى الأشعري ، عنه، فقال: 338 345 - ثنا بشر بن خالد: ثنا محمد - هو: غندر - عن شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل: قال أبو موسى لعبد الله بن مسعود: إذا لم تجد الماء لا تصلي؟ قال عبد الله: لو رخصت لهم في هذا، كان إذا وجد أحدهم البرد قال هكذا - يعني: تيمم - وصلى. قال: قلت: فأين قول عمار لعمر؟ قال: إني لم أر عمر قنع بقول عمار.

                                339 346 - حدثنا عمر بن حفص: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: سمعت شقيق بن سلمة قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن، إذا أجنب الرجل فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء. فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كان يكفيك "؟ قال: ألم تر عمر لم يقنع منه بذلك؟ فقال أبو موسى: دعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول. فقال: لو أنا رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم.

                                فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال: نعم.


                                التالي السابق


                                كان عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود يقولان: إن التيمم إنما يجوز عن [ ص: 83 ] الحدث الأصغر، وأما عن الجنابة فلا يجوز، وقالا: لا يصلي الجنب حتى يجد الماء ولو عدمه شهرا.

                                وروي ذلك عن طائفة من أصحاب ابن مسعود وأتباعهم كالأسود وأبي عطية والنخعي .

                                وقد روي عن عمر وابن مسعود أنهما رجعا عن ذلك، ووافقا بقية الصحابة، فإن عمر وكل الأمر في ذلك إلى عمار ، وقال له: نوليك ما توليت، وابن مسعود رجع عن قوله في التيمم -: قاله الضحاك ، واتبعت الأمة في ذلك قول الصحابة دون عمر وابن مسعود . وقد خالفهما علي وعمار وأبو موسى الأشعري وجابر بن عبد الله وابن عباس .

                                وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب إذا لم يجد الماء بأن يتيمم ويصلي في حديث عمران بن حصين المتقدم، وحديث عمار ، وروي - أيضا - من حديث أبي ذر وغيره.

                                وشبهة المانعين: أن الله تعالى قال: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وقال: وإن كنتم جنبا فاطهروا - يعني به: الغسل - ثم ذكر التيمم عند فقد الماء بعد ذكره الأحداث الناقضة للوضوء، فدل على أنه إنما رخص في التيمم عند عدم الماء لمن وجدت منه هذه الأحداث، وبقي الجنب مأمورا بالغسل بكل حال.

                                وهذا مردود ; لوجهين:

                                أحدهما: أن آية الوضوء افتتحت بذكر الوضوء، ثم بغسل الجنابة، ثم أمر بعد ذلك بالتيمم عند عدم الماء، فعاد إلى الحدثين معا، وإن قيل: إنه يعود إلى أحدهما، فعوده إلى غسل الجنابة أولى ; لأنه أقربهما، فأما عوده إلى أبعدهما وهو - وضوء الصلاة - فممتنع.

                                [ ص: 84 ] وأما آية سورة النساء، فليس فيها سوى ذكر الجنابة، وليس للوضوء فيها ذكر، فكيف يعود التيمم إلى غير مذكور فيها، ولا يعود إلى المذكور؟

                                والثاني: أن كلتا الآيتين: أمر الله بالتيمم من جاء من الغائط، ولمس النساء أو لم يجد الماء، ولمس النساء إما أن يراد به الجماع خاصة، كما قاله ابن عباس وغيره، أو أنه يدخل فيه الجماع وما دونه من الملامسة لشهوة، كما يقوله غيره، فأما أن يخص به ما دون الجماع ففيه بعد.

                                ولما أورد أبو موسى على ابن مسعود الآية تحير ولم يدر ما يقول، وهذا يدل على أنه رأى أن الآية يدخل فيها الجنب كما قاله أبو موسى .

                                وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب العادم للماء أن يتيمم ويصلي دليل على أنه صلى الله عليه وسلم فهم دخول الجنب في الآية، وليس بعد هذا شيء.

                                ورد ابن مسعود تيمم الجنب ; لأنه ذريعة إلى التيمم عند البرد لم يوافق عليه ; لأن النصوص لا ترد بسد الذرائع، وأيضا، فيقال: إن كان البرد يخشى معه التلف أو الضرر فإنه يجوز التيمم معه كما سبق.

                                وقد روى شعبة ، أن مخارقا حدثهم، عن طارق ، أن رجلا أجنب فلم يصل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له: " أصبت ". وأجنب رجل آخر فتيمم وصلى، فأتاه صلى الله عليه وسلم، فقال له نحوا مما قال للآخر - يعني: " أصبت ".

                                خرجه النسائي ، وهو مرسل.

                                وقد يحمل هذا على أن الأول سأله قبل نزول آية التيمم، والآخر سأله بعد نزولها.

                                وروى أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن ذر ، عن ابن [ ص: 85 ] أبزى ، عن أبيه، أن عمارا قال لعمر : أما تذكر يا أمير المؤمنين أني كنت أنا وأنت في سرية فأجنبنا ولم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت بالتراب وصليت، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال " أما أنت فلم يكن ينبغي لك أن تدع الصلاة، وأما أنت يا عمار فلم يكن لك أن تتمعك كما تتمعك الدابة، إنما كان يجزيك " وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرض إلى التراب، ثم قال -: " هكذا " ونفخ فيها ومسح وجهه ويديه إلى المفصل، وليس فيه الذراعان.



                                الخدمات العلمية