الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في المرأة تحج بغير محرم

                                                                      1723 حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها حدثنا عبد الله بن مسلمة والنفيلي عن مالك ح و حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر حدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد قال الحسن في حديثه عن أبيه ثم اتفقوا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة فذكر معناه قال أبو داود ولم يذكر القعنبي والنفيلي عن أبيه رواه ابن وهب وعثمان بن عمر عن مالك كما قال القعنبي حدثنا يوسف بن موسى عن جرير عن سهيل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه إلا أنه قال بريدا

                                                                      التالي السابق


                                                                      بفتح الميم وسكون الحاء وذو المحرم من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم .

                                                                      ( ذو حرمة ) : بضم الحاء وسكون الراء بمعنى ذي المحرم فذو حرمة وذو [ ص: 114 ] المحرم كلاهما بمعنى واحد قلت ورد حديث نهي السفر للمرأة بغير ذي محرم بألفاظ مختلفة ففي رواية : لا تسافر المرأة ثلاثا إلا معها ذو محرم وفي رواية فوق ثلاث ، وفي رواية " ثلاثة ، وفي رواية لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم وفي رواية لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منهما أو زوجها وفي رواية نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين وفي رواية لا يحل لامرأة مسلمة تسافر ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها وفي رواية لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم وفي رواية مسيرة يوم وليلةوفي رواية لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم . هذه روايات مسلم وغيره . وفي رواية لأبي داود " لا تسافر بريدا " والبريد مسيرة نصف يوم قال العلماء اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد .

                                                                      قال البيهقي : كأنه صلى الله عليه وسلم يسأل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم فقال لا وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا وسئل عن سفرها يوما فقال لا وكذلك البريد فأدى كل منهم ما سمعه وما جاء منها مختلفا عن راو واحد فسمعه في مواطن فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر ولم يرد صلى الله عليه وسلم - تحديد أقل ما يسمى سفرا . فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا انتهي عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا .

                                                                      وأجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت لعموم قوله تعالى ولله على الناس حج البيت وقوله صلى الله عليه وسلم - بني الإسلام على خمس الحديث واستطاعتها كاستطاعة الرجل لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها فأبو حنيفة يشترط لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي حكي ذلك أيضا عن الحسن البصري والنخعي . وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه لا يشترط المحرم بل [ ص: 115 ] يشترط الأمن على نفسها . قال أصحاب الشافعي : يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات . ولا يلزمها الحج عند الشافعي إلا بأحد هذه الأشياء فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها لكن يجوز لها الحج معها هذا هو الصحيح قاله النووي في شرح مسلم .

                                                                      قال القرطبي : وسبب هذا الخلاف مخالفة ظواهر الأحاديث لظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا لأن ظاهره الاستطاعة بالبدن فيجب على كل قادر عليه ببدنه ومن لم تجد محرما قادرة ببدنها فيجب عليها فلما تعارضت هذه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك فجمع أبو حنيفة ومن وافقه بأن جعل الحديث مبينا الاستطاعة في حق المرأة ورأى مالك ومن وافقه أن الاستطاعة الأمنية بنفسها في حق الرجال والنساء وأن الأحاديث المذكورة لم تتعرض للأسفار الواجبة وقد أجيب أيضا بحمل الأخبار على ما إذا لم تكن الطريق آمنا ذكره الزرقاني ، والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي . وفي حديث البخاري يوم وليلة ، انتهى كلامه . وقوله في الحديث تسافر هكذا الرواية بدون أن نظير قولهم " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " فتسمع موضعه رفع على الابتداء وتسافر موضعه رفع على الفاعلية فيجوز رفعه ونصبه بإضمار أن .

                                                                      قاله الحافظ ولي العراقي . وقوله مسيرة مصدر ميمي بمعنى السير كمعيشة بمعنى العيش وليست التاء فيه للمرة .

                                                                      ( قال الحسن ) : بن علي وحده في حديثه دون عبد الله بن مسلمة القعنبي والنفيلي ( عن أبيه ) : أي سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أبي سعيد عن أبي هريرة ، وأما القعنبي والنفيلي فقالا عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بحذف لفظ عن أبيه بين سعيد وأبي هريرة ( ثم اتفقوا ) : أي القعنبي والنفيلي والحسن كلهم ( عن أبي هريرة ) : أي جعل كلهم من مسندات أبي هريرة وإنما الاختلاف في زيادة لفظ عن أبيه ( فذكر معناه ) : أي ذكر مالك معنى حديث الليث . ولفظ مسلم من طريق مالك لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر [ ص: 116 ] تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها قال المنذري : وأخرجه مسلم وابن ماجه وأخرجه البخاري متابعة انتهى . ( قال النفيلي حدثنا مالك ) وأما القعنبي فقال عن مالك ( والقعنبي ) : هو عبد الله بن مسلمة ( عن أبيه ) : أي لفظ عن أبيه بين سعيد بن أبي سعيد وأبي هريرة . ( رواه ابن وهب ) : هو عبد الله بن وهب بن مسلم ( وعثمان بن عمر ) : بن فارس كلاهما ( عن مالك ) : بحذف عن أبيه ( كما قال القعنبي ) أي كما روى القعنبي من جهة مالك بحذف لفظ عن أبيه .

                                                                      قال النووي في شرح مسلم تحت حديث مالك : هكذا أي بإثبات عن أبيه وقع هذا الحديث في نسخ بلادنا عن سعيد عن أبيه . قال القاضي وكذا وقع في النسخ عن الجلودي وأبي العلاء والكسائي وكذا رواه مسلم عن قتيبة عن الليث عن سعيد عن أبيه وكذا رواه الشيخان من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه . واستدرك الدارقطني عليهما وقال الصواب عن سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه واحتج بأن مالكا ويحيى بن أبي كثير وسهيلا قالوا عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يذكروا عن أبيه وكذا رواه معظم رواة الموطأ عن مالك ، ورواه الزهراني والفروي عن مالك فقالا عن سعيد عن أبيه وكذا رواه الترمذي في النكاح عن الحسن بن علي بن بشر بن عمر بن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ورواه أبو داود من جهة مالك وسهيل كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة فحصل اختلاف ظاهر بين الحفاظ في ذكر أبيه فلعله سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثم سمعه من أبي هريرة نفسه فرواه تارة كذا وتارة كذا وسماعه من أبي هريرة صحيح معروف انتهى كلام النووي ملخصا .

                                                                      وقال الزرقاني في شرح الموطأ وأجيب بأن هذا اختلاف لا يقدح فإن سماع سعيد من أبي هريرة صحيح معروف فلعله سمعه من أبي هريرة نفسه فحدث به على الوجهين وبهذا ابن حبان فقال سمع هذا الخبر سعيد المقبري عن أبي هريرة وسمعه من أبيه عن أبي هريرة فالطريقان جميعا محفوظان انتهى . ويؤيده أن سعيدا ليس بمدلس فالحديث صحيح على كل حال انتهى .

                                                                      [ ص: 117 ] ( وذكر ) : أي سهيل ( نحوه ) : أي نحو حديث مالك ( إلا أنه قال بريدا ) : أي لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر بريدا إلا مع ذي محرم . قال النووي : والبريد مسيرة نصف يوم . وقال ابن الأثير هو أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية