الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر استيلاء نور الدين على سنجار لما ملك قطب الدين مودود الموصل بعد أخيه سيف الدين غازي كان أخوه الأكبر نور الدين محمود بالشام ، وله حلب وحماة ، فكاتبه جماعة من الأمراء وطلبوه ، وفيمن كاتبه المقدم عبد الملك والد شمس الدين محمد ، وكان حينئذ مستحفظا بسنجار ، فأرسل إليه يستدعيه ليتسلم سنجار ، فسار جريدة في سبعين فارسا من أمراء دولته ، فوصل إلى ماكسين في نفر يسير قد سبق أصحابه .

وكان يوما شديد المطر ، فلم يعرفهم الذي يحفظ الباب ، فأخبر الشحنة أن نفرا من التركمان المتجندين قد دخلوا البلد ، فلم يستتم كلامه حتى دخل نور الدين الدار على الشحنة ، فقام إليه وقبل يده ، ولحق به باقي أصحابه ، ثم سار إلى سنجار ، [ ص: 168 ] فوصلها وليس معه غير ركابي وسلاح دار ، ونزل بظاهر البلد .

وأرسل إلى المقدم يعلمه بوصوله ، فرآه الرسول وقد سار إلى الموصل ، وترك ولده شمس الدين محمدا بالقلعة ، فأعلمه بمسير والده إلى الموصل ، وأقام من لحق أباه بالطريق ، فأعلمه بوصول نور الدين ، فعاد إلى سنجار فسلمها إليه ، فدخلها نور الدين ، وأرسل إلى فخر الدين قرا أرسلان صاحب الحصن ، يستدعيه إليه لمودة كانت بينهما ، فوصل إليه في عسكره ; فلما سمع أتابك قطب الدين ، وجمال الدين ، وزين الدين بالموصل بذلك جمعوا عساكرهم وساروا نحو سنجار ، فوصلوا إلى تل يعفر ، وترددت الرسل بينهم بعد أن كانوا عازمين على قصده بسنجار ، فقال لهم جمال الدين : ليس من الرأي محاقته وقتاله ، فإننا نحن قد عظمنا محله عند السلطان وما هو بصدده من الغزاة ، وجعلنا أنفسنا دونه ، وهو يظهر للفرنج تعظيما وأنه تبعنا ; ولا يزال يقول لهم : إن كنتم كما يجب ، وإلا سلمت البلاد إلى صاحب الموصل ، وحينئذ يفعل بكم ويصنع ، فإذا لقيناه ، فإن هزمناه طمع السلطان فينا ، ويقول : هذا الذي كانوا يعظمونه ويحتمون به أضعف منهم ، وقد هزموه ; وإن هو هزمنا طمع فيه الفرنج ، ويقولون إن الذين كان يحتمي بهم أضعف منه ، وقد هزمهم ، وبالجملة فهو ابن أتابك الكبير .

وأشار بالصلح ، وسار هو إليه فاصطلح ، وسلم سنجار إلى أخيه قطب الدين ، وسلم مدينة حمص والرحبة بأرض الشام وبقي الشام له ، وديار الجزيرة لأخيه ، واتفقا ، وعاد نور الدين إلى الشام ، وأخذ معه ما كان قد ادخره أبوه أتابك الشهيد فيها من الخزائن ، وكانت كثيرة جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية