الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1425 [ ص: 19 ] 1389 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي . فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له ، فقال له اليهودي : والله لقد قضيت بالحق ، فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ، ثم قال : وما يدريك ؟ فقال له اليهودي : إنا نجد أنه ليس قاض يقضي بالحق ، إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك . يسددانه ويوفقانه للحق ، ما دام مع الحق . فإذا ترك الحق ، عرجا وتركاه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        31617 - قال أبو عمر : إنما ضرب عمر اليهودي - والله أعلم - لأنه كره مدحه ، وتزكيته لحكمه في وجهه .

                                                                                                                        31618 - وأما جواب اليهودي له بعد ضربه إياه ، فقوله له : وما يدريك ؟ فليس عندي بجواب ; لقوله وما يدريك ، والله أعلم .

                                                                                                                        31619 - ولكن اليهودي لما علم أن عمر كره مدحه له ، أخبره أنه يجد في كتبه أن الله - تعالى ذكره - يعين القاضي على الحق ، ويسدد له ويوفقه لإصابته إذا أراده ، وقصده ، ومن عونه له أن يأمر الملكين عن يمينه ، وعن شماله لتسديده ، وهذا كله ترغيب ، وندب للحاكم أن القضاء بالحق على ما ترجم به مالك الباب ، والله الموفق للصواب .

                                                                                                                        31620 - وروى ابن عيينة هذا الخبر عن يحيى ، عن سعيد بن المسيب أن عمر اختصم إليه مسلم ، ويهودي ، فرأى أن الحق لليهودي ، فقضى له ، فقال اليهودي : [ ص: 20 ] والله إن الملكين ; جبريل ، وميكائيل ليتكلمان بلسانك ، وإنهما عن يمينك ، وشمالك ، فضربه عمر بالدرة ، وقال له : لا أم لك ! ما يدريك ؟ قال : إنهما مع كل قاض يقضي بالحق ، ما دام مع الحق ، فإذا ترك الحق عرجا ، وتركاه .

                                                                                                                        فقال عمر : والله ما أراك أبعدت .

                                                                                                                        31621 - وفي هذا الحديث من الفقه أن المسلم ، والكافر ، والذمي في الحكم بينهما ، والفصل بين المسلمين سواء .

                                                                                                                        31622 - وفيه كراهية المدح في الوجه إلا من أدب ، فافعله ، فلا حرج عليك ، وأن الذي يرضى بأن يمدح في وجهه ضعيف الرأي .

                                                                                                                        31623 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : سمع رجلا يمدح رجلا ، فقال له : أما إنك لو صنعته ، لقطعت ظهره .

                                                                                                                        31624 - وروي عنه أنه قال المدح في الوجه هو الذبح .

                                                                                                                        31625 - وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : احثوا في وجوه المداحين التراب .

                                                                                                                        [ ص: 21 ] 31626 - وهو حديث صحيح من حديث المقداد بن الأسود .

                                                                                                                        31627 - وهذا عندهم في المواجهة وفيه ترك الرد على أهل الكتاب فيما يخبرون به عن كتابهم ، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ; لئلا يصدق بباطل ، أو يكذب بحق .

                                                                                                                        31628 - قال - صلى الله عليه وسلم - : حدثوا عن بني إسرائيل ، ولا حرج ، وحدثوا عني ، ولا تكذبوا علي .

                                                                                                                        31629 - وقد فسر الشافعي معنى هذا الحديث بما قد ذكرته في غير هذا الموضع .

                                                                                                                        [ ص: 22 ] 31630 - حدثني سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني وكيع ، قال : حدثني إسرائيل ، عن عبد الأعلى التغلبي ، عن بلال بن أبي موسى ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سأل القضاء وكل إلى نفسه ، ومن يجبر عليه نزل عليه ملك يسدده .

                                                                                                                        31631 - قال أبو عمر : روى ابن عيينة ، عن مسعر ، عن محارب بن دثار ، قال : قال عمر بن الخطاب : ردوا الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن قضاء القاضي يورث الضغائن بين الناس .

                                                                                                                        31632 - وعن أيوب ، عن ابن سيرين قال : لم أر شريحا أصلح بين خصمين قط إلا امرأة استودعها رجل شيئا ، فنقلت متاعها ، فضاع فأصلح بينهما .

                                                                                                                        31633 - وسفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : لأن أقضي يوما بالحق أحب إلي من عمل سنة .

                                                                                                                        31634 - سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : لأن أقضي يوما بالحق أحب إلي من عمل سنة .

                                                                                                                        [ ص: 23 ] 31635 - سفيان ، عن أبي إسحاق الشعبي ، عن شريح ، قال : كتب إلي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : إذا جاءك أمر في كتاب الله ، فاقض به ، ولا يلفتنك عنه الرجال ، فإن لم تجده في كتاب الله ففيما مضى من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن لم تجده فيما مضى من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففيما قضى به الصالحون ، وأئمة العدل ، فإن لم تجد ، فإن شئت أن تجتهد رأيك ، وإن شئت أن تؤامرني ، ولا أرى مؤامرتك ، فإني لا أسلم لك ، والسلام عليك .

                                                                                                                        31636 - وروى عيسى بن دينار ، عن ابن القاسم ، قال : سئل مالك أيجبر الرجل على ولاية القضاء ؟ فقال لا ، إلا أن لا يوجد منه عوض ، قيل له : أيجبر بالحبس ، والضرب ؟ قال : نعم ، قيل له ، فالفتيا ؟ قال : لا يجوز الفتيا إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه .

                                                                                                                        قيل له : اختلاف أهل الرأي ؟ قال : لا ، اختلاف أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويعلم الناسخ ، والمنسوخ من القرآن ، والحديث .

                                                                                                                        31637 - وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب العلم ، والحمد لله كثيرا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية