الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

1461 - عن جابر - رضي الله عنه - قال : ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين ، أملحين ، موجوءين ، فلما وجههما قال : إني وجهت وجهيللذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، عن محمد وأمته ، بسم الله ، والله أكبر ، ثم ذبح . رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والدارمي . وفي رواية لأحمد ، وأبي داود ، والترمذي : ذبح بيده وقال : بسم الله ، والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي .

التالي السابق


الفصل الثاني

1461 - ( عن جابر قال : ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أي : أراد أن يذبح ; بدليل قوله : فلما . إلخ . ( يوم الذبح ) أي : يوم الأضحى ، ويسمى يوم النحر أيضا . ( كبشين أقرنين ، أملحين ، موجوءين ) : بفتح ميم وسكون واو فضم جيم وسكون واو فهمز مفتوح ، وفي المصابيح : موجيين بضم الميم ففتح الجيم والياء الأولى مخففة ومشددة ، وكلاهما خطأ على ما في المغرب أي : خصيين . قال ابن الملك : ويروى موجيين ، وهو القياس ، قلبوا الهمزة والواو ياء على غير قياس اهـ . في النهاية : الوجاء أن ترض أي : تدق أنثيا الفحل رضا شديدا يذهب شهوة الجماع ، وقيل : هو أن يوجأ العروق والخصيتان بحالهما ، وفي القاموس : ووجي هو بالضم فهو موجوء ووجئ : دق عروق خصيتيه بين حجرين ، ولم يخرجهما ، أو هو رضاضهما حتى ينفضخا أي : ينكسرا . في شرح السنة : كره بعض أهل العلم الموجوءة لنقصان العضو ، والأصح أنه غير مكروه ; لأن الخصاء يزيد اللحم طيبا ; ولأن ذلك العضو لا يؤكل ، وفيه استحباب أن يذبح الأضحية بنفسه إن قدر عليه ، وكذلك المرأة اهـ .

وفي تعليله إشكال لما في حديث أحمد : أن أبا سعيد الخدري اشترى كبشا ليضحي به ، فعدا الذئب ، فأخذ أليته ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ضح به ، لكن أشار بعض المتأخرين إلى عدم صحة سنده . ( فلما وجههما ) : قال الطيبي أي : جعل وجه كل واحد منهما تلقاء القبلة ، واستقبل القبلة بوجه قلبه تلقاء الحضرة الإلهية ، وفي المصابيح : فلما ذبحهما قال ابن الملك : أي : أراد ذبحهما . ( قال : إني وجهت وجهي ) : بسكون الياء وفتحها أي : جعلت ذاتي [ ص: 1083 ] متوجها . ( للذي فطر السماوات والأرض ) أي : إلى خالقهما ومبدعهما . ( على ملة إبراهيم ) : حال من الفاعل أو المفعول في وجهت وجهي ، أي : أنا على ملة إبراهيم ، يعني في الأصول وبعض الفروع . ( حنيفا ) : حال من إبراهيم ، أي : مائلا عن الأديان الباطلة إلى الملة القويمة التي هي التوحيد الحقيقي على الطريقة المستقيمة ، بحيث لا يلتفت إلى ما سوى المولى ; ولذا لما قال له جبريل : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا . ( وما أنا من المشركين ) : لا شركا جليا ولا خفيا .

قال السيد نقلا عن الأزهار : اختلف العلماء في أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة هل كان متعبدا بشرع ؟ قيل : كان على شريعة إبراهيم ، وقيل : موسى ، وقيل : عيسى ، والصحيح أنه لم يكن متعبدا بشرع لنسخ الكل بشريعة عيسى ، وشرعه كان قد حرف وبدل . قال تعالى : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان أي : شرائعه وأحكامه ، وفيه أن عيسى كان مبعوثا لبني إسرائيل ; فلا يكون ناسخا لأولاد إبراهيم من إسماعيل . قال العلماء : وكان مؤمنا بالله ، ولم يعبد صنما قط إجماعا ، وكانت عبادته غير معلومة لنا .

قال ابن برهان : ولعل الله - عز وجل - جعل خفاء ذلك وكتمانه من جملة معجزاته . قلت : فيه بحث . ثم قال : وقد يكون قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر شيء يشبه المعجزات يعني التي تسمى إرهاصا ، ويحتمل أن يكون نبيا قبل أربعين غير مرسل ، وأما بعد النبوة ، فلم يكن على شرع سوى شريعته إجماعا ، والأظهر أنه كان قبل الأربعين وليا ، ثم بعدها صار نبيا ، ثم صار رسولا . ( إن صلاتي ونسكي ) أي : سائر عباداتي أو تقربي بالذبح . قال الطيبي : جمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى : فصل لربك وانحر . ( ومحياي ) : بفتح الياء ويسكن . ( ط ومماتي ) : بالسكون والفتح . قال الطيبي : أي : وما آتيه في حياتي ، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح اهـ . أو حياتي وموتي . ( لله ) أي : خالصة لوجهه . ( رب العالمين ) أي : سيدهم وخالقهم ، ومربيهم ومصلحهم ، وفيه تغليب العقلاء على غيرهم . ( لا شريك له ) أي : في الألوهية والربوبية . ( وبذلك ) أي : بالتوحيد والإخلاص والعبودية . ( أمرت وأنا من المسلمين ) أي : من جملة المنقادين لأمره ، وحكمه ، وقضائه ، وقدره . ( اللهم ) أي : يا الله . ( منك ) أي : هذه الأضحية عطية ومنحة ، واصلة إلي منك . ( ولك ) أي : مذبوحة وخالصة لك . وفي المصابيح زيادة إليك ، أي : واصلة وراجعة إليك ، كما يقال في الأمثال : مما لكم يهدى لكم ، وقال ابن الملك : أي : اللهم اجعل هذا الكبش منك ، وجعلته لك ، وأتقرب به إليك . ( عن محمد ) أي : صادرة عنه . ( وأمته ) أي : العاجزين عن متابعته في سنة أضحيته ، وهو يحتمل التخصيص بأهل زمانه ، والتعميم المناسب لشمول إحسانه ، والأول يحتمل الأحياء والأموات أو الأخير منهما ، ثم المشاركة إما محمولة على الثواب ، وإما على الحقيقة ، فيكون من خصوصية ذلك الجناب ، والأظهر أن يكون أحدهما عن ذاته الشريفة ، والثاني عن أمته الضعيفة . ( بسم الله ، والله أكبر ، ثم ذبح ) أي : بيده ، وأمر بذبحه . ( رواه أحمد ) : وأبو داود ، وسكت عليه . وفي سنده محمد بن إسحاق ، وقد عنعنه ، ذكره ميرك . ( وابن ماجه ، والدارمي ) : قال ابن حجر : وصححه الحاكم .

( وفي رواية لأحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، ذبح بيده وقال : بسم الله ، والله أكبر ، اللهم هذا ) أي : الكبش ، أو ما ذكر من الكبشين . ( عني ) أي : اجعله أضحية عني . ( وعمن لم يضح من أمتي ) : وفيه رائحة من الوجوب ، فيكون محسوبا عمن كان وجب عليه الأضحية ولم يضح ، إما لجهالة ، أو نسيان وغفلة ، أو فقد أضحية ، وهذا كله رحمة على أمته المرحومة على عادته المعلومة .

[ ص: 1084 ]



الخدمات العلمية