الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكثير ممن تكلم بالألفاظ المجملة المبتدعة كلفظ الجسم والجوهر والعرض وحلول الحوادث ونحو ذلك، كانوا يظنون أنهم ينصرون الإسلام بهذه الطريقة وأنهم بذلك يثبتون معرفة الله وتصديق رسوله، فوقع منهم من الخطأ والضلال ما أوجب ذلك، وهذه حال أهل البدع كالخوارج وأمثالهم، فإن البدعة لا تكون حقا محضا موافقا للسنة، إذ لو كانت كذلك لم تكن باطلا، ولا تكون باطلا محضا لا حق فيها، إذ لو كانت كذلك لم تخف على الناس، ولكن تشتمل على حق وباطل، فيكون صاحبها قد لبس الحق بالباطل: إما مخطئا غالطا، وإما متعمدا لنفاق فيه وإلحاد. [ ص: 105 ]

كما قال تعالى: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم [ سورة التوبة: 47] فأخبر أن المنافقين لو خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالا، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين، يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم: إما لظن مخطئ، أو لنوع من الهوى، أو لمجموعهما ؛ فإن المؤمن إنما يدخل عليه الشيطان بنوع من الظن واتباع هواه ؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات".

وقد أمر المؤمنين أن يقولوا في صلاتهم: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ سورة الفاتحة: 6 - 7]، فالمغضوب عليهم عرفوا الحق ولم يعملوا به، والضالون عبدوا الله بلا علم.

ولهذا نزه الله نبيه عن الأمرين بقوله والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى [ سورة النجم: 1 -2] وقال تعالى: واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار [ سورة ص: 45].

وهذا الذي تقدم ذكره - من إنكار أئمة العراقيين من أصحاب الشافعي قول ابن كلاب ومتبعيه في القرآن - هو معروف في كتبهم، [ ص: 106 ] ومعلوم أنه ليس بعد الشافعي وابن سريج مثل الشيخ أبي حامد الإسفرايني، حتى ذكر أبو إسحاق في طبقات الفقهاء عن أبي الحسين القدوري: أنه كان يقول في الشيخ أبي حامد: إنه أنظر من الشافعي، وهذا الكلام - وإن لم يكن مطابقا لمعناه، لجلالة قدر الشافعي وعلو مرتبته - فلولا براعة أبي حامد، ما قال فيه الشيخ أبو الحسين القدوري مثل هذا القول.

التالي السابق


الخدمات العلمية