الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وعرف إلى أن علم أن ربها لا يطلبها ) معطوف على أشهد فظاهره أن التعريف شرط أيضا وأن الإشهاد لا يكفي لنفي الضمان وهكذا شرط في المحيط لنفي الضمان الإشهاد وإشاعة التعريف وحكي في الظهيرية فيه اختلافا فقال قال الحلواني أدنى ما يكون من التعريف أن يشهد عند الأخذ ويقول آخذها لأردها فإن فعل ذلك ثم لم يعرفها بعد ذلك كفى ومن المشايخ من قال يأتي على أبواب المساجد وينادي ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير وعلى هذا لا يلزم الإشهاد أي التعريف وقت الأخذ بل لا بد منه قبل هلاكها ليعرف أنه أخذها ليردها لا لنفسه ا هـ .

                                                                                        وهو غير صحيح لأن الإشهاد لا بد منه على قول الإمام عند الأخذ باتفاق المشايخ وإنما اختلفوا هل يكفي هذا الإشهاد عند الأخذ عن التعريف بعده أو لا ولم يقل أحد أن التعريف بعد الأخذ يكفي عن الإشهاد وقت الأخذ فليتأمل ولم يجعل للتعريف مدة اتباعا لشمس الأئمة السرخسي فإنه بنى الحكم على غالب الرأي فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه بعد ذلك وصححه في الهداية وقال في البزازية والجوهرة وعليه الفتوى وهو خلاف ظاهر الرواية فإنه التقدير بالحول في القليل والكثير كما ذكره الإسبيجابي وفي الظهيرية ثم على قول من قدر بحول اختلف فيه قيل يعرفها كل جمعة وقيل كل شهر وقيل كل ستة أشهر قال السرخسي حكي أن بعض العلماء ببلخ وجد لقطة وكان محتاجا إليها وقد قال في نفسه لا بد من تعريفها ولو عرفتها في المصر ربما يظهر صاحبها فخرج من المصر حتى انتهى إلى رأس بئر فدلى رأسه في البئر وجعل يقول وجدت كذا فمن سمعتموه ينشد ذلك فدلوه علي وبجنب البئر رجل يرقع شملته وكان صاحب اللقطة فتعلق به حتى أخذها منه ليعلم أن المقدور كائن لا محالة فلا ينبغي له أن يترك ما لزمه شرعا وهو إظهار التعريف قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يكثر همك ما يقدر يكون وما ترزق يأتيك } ا هـ .

                                                                                        وهو خطأ من هذا الملتقط لأن هذا ليس بتعريف اتفاقا .

                                                                                        قال في الجوهرة ثم التعريف إنما يكون جهرا في الأسواق وفي أبواب المساجد وفي الموضع الذي وجدها فيه وفي الجامع وإن كانت شيئا لا يبقى عرفه حتى يخاف فساده فيتصدق به ا هـ .

                                                                                        كذا في الهداية وإن وجد اللقطة رجلان عرفاها جميعا واشتركا في حكمها ا هـ .

                                                                                        وقدمنا أن الملتقط إذا كان صبيا عرفها وليه زاد في القنية أو وصيه ثم له أن يتصدق بها وسكت عن حكم تمليكها للصبي لو كان فقيرا لأنه يعلم بالأولى وينبغي أن لا تجوز الصدقة بها من وليه أو وصيه لما في ذلك من الإضرار على احتمال أن لا يجيز مالكها إذا حضر والعين هالكة من يد الفقير فإنه يضمنها من مال الصبي وليس في إمساكها أو تمليكها ضرر ثم رأيت بعد ذلك في شرح منظومة ابن وهبان للمصنف أنه قال ينبغي على قول أصحابنا إذا تصدق بها الأب أو الوصي ثم ظهر صاحب اللقطة وضمنها أن يكون الضمان في مالهما دون الصبي ا هـ .

                                                                                        وإذا صح هذا البحث فلا إشكال في جواز تصدقهما حينئذ وفي القاموس التعريف الإعلام وفي التتارخانية قال أبو الحسن له أن يأمر غيره ويعطيها حتى يعرفها يريد إذا عجز عن التعريف بنفسه ا هـ .

                                                                                        فأفاد جواز الاستنابة [ ص: 165 ] في التعريف لكن في الحاوي القدسي لو دفعها إلى غيره بغير إذن القاضي ضمن ا هـ .

                                                                                        وأطلق المصنف في تعريفها وهو مقيد بما في الهداية فإن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف ولكنه يبقى على ملك مالكه لأن التمليك من المجهول لا يصح وفي البزازية لو وجدها مالكها في يده له أخذها إلا إذا قال عند الرمي من أخذها فهي له لقوم معلومين ولم يذكر السرخسي هذا التفصيل وكذا الحكم في التقاط السنابل لكن أخذه بعد جمع غيره يعد دناءة وأطلق في الهداية في النواة وقشور الرمان وقيده في البزازية بأن يكون في مواضع متفرقة قال أما المجتمعة فهي من قبيل ما يطلبه صاحبه فيحفظه وإن وجد جوزة ثم وثم حتى بلغ المتقوم إن مجتمعا فهو من الثاني وإن متفرقا له قيمة اختلفوا قيل من الأول وقيل من الثاني وهو الأحوط وذكر في الفتاوى المختار أنه من النوع الأول التفاح والكمثرى إن وجد في الماء يجوز أخذه وإن كثيرا لأنه يفسد بالماء والحطب في الماء إن لم يكن له قيمة يأخذه وإن له قيمة فهو لقطة وجعل في الفتاوى الحطب كالتفاح بالماء أصابوا بعيرا مذبوحا في البادية قريبا من الماء ووقع في ظنه أن مالكه أباحه لا بأس بالأخذ والأكل وعن الثاني لو طرح ميتة فجاء آخر وأخذ صوفها له الانتفاع به ولو جاء مالكها له أن يأخذ الصوف منه ولو سلخها ودبغ الجلد يأخذه المالك ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط أناخ رجل إبله في دار رجل يؤاجرها واجتمع من ذلك بعر كثير فإن كان من رأي صاحب الدار أن يجمع ذلك له فهو له لأنه أعد الدار للإحراز وإن لم يكن من رأيه أن يجمعه بل يترك ذلك على حاله فهو مباح فكل من أخذه فهو أولى ولو سيب دابته فأخذها إنسان فأصلحها ثم جاء صاحبها فإن كان قال عند التسييب جعلتها لمن أخذها فلا سبيل لصاحبها عليها لأنه أباح التمليك وإن لم يقل ذلك أن يأخذها وكذلك من أرسل صيدا له هكذا اختاره بعض مشايخنا فإن اختلفا فالقول قول صاحبها مع يمينه أنه لم يقل هو لمن أخذها لأنه ينكر إباحة التملك وإن برهن الآخذ أو نكل المالك عن اليمين سلمت للآخذ وذكر الفقيه أبو الليث في نوازله إذا اجتمع للدهانين ما يقطر من الأوعية في إنائه فإن كان يسيل من خارج الأوعية يطيب له لأنه ليس للمشتري لأن ما انفصل عنها لا يدخل البيع وإن سال من الداخل أو من الداخل والخارج جميعا أو لا يعلم ينظر إن زاد الدهان من عنده لكل واحد من المشتري طاب له وإن لم يزد لا يطيب له ويتصدق به إلا أن يكون محتاجا لأن سبيله سبيل اللقطة ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية سأل رجل عطاء عن رجل بات في المسجد واستيقظ وفي يده صرة فيها دنانير قال إن الذي صرها في يدك لم يصرها إلا وهو يريد أن يجعلها لك ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية ومن أخذ بازيا أو شبهه في مصر أو سواد وفي رجليه سير أو جلاجل فعليه أن يعرفه للتيقن بثبوت يد الغير عليه قبله وكذا لو أخذ ظبيا وفي عنقه قلادة أو حمامة في المصر يعرف إذ مثلها لا يكون وحشية بأن كانت مسرولة فعليه أن يعرفها ا هـ .

                                                                                        [ ص: 164 - 165 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 164 - 165 ] ( قوله فأفاد جواز الاستنابة في التعرف إلخ ) قال القهستاني عند قوله وعرفت وفي لفظ المجهول إشعار بأنه لو عرفها غيره بأمره جاز إذا عجز كما في الذخيرة وجاز دفعها إلى أمين وله استردادها منه وإن هلكت في يده لم يضمن كما في المنية ( قوله ولو سيب دابته إلخ ) قال في التتارخانية ولو أن رجلا ثاقب عليه دابته ولا قيمة لها من الهزال ولم يقل وقت الترك فليأخذها من شاء فأخذها رجل وأصلحها فالقياس أن يكون لآخذها كقشور الرمان المطروحة وفي الاستحسان تكون لصاحبها قال محمد لأنا لو جوزنا ذلك في الحيوان وجعلناه للأخذ لجوزنا في الجارية والعبد ترمى في الأرض مريضة لا قيمة لها فيأخذه رجل وينفق عليه حتى يصير ملكا له فيطأ الجارية ويجد ذلك من غير شراء ولا هبة ولا إرث ولا صدقة ويصح إعتاق الغلام من غير أن يملكه المالك وهذا أمر قبيح ا هـ .

                                                                                        وبه علم حكم ما ذكره الرملي مما كثر [ ص: 166 ] السؤال عنه وهو أن الحاج وغيره إذا أعيا بعيره تركه فيأخذه غيره حتى عاد لحاله .




                                                                                        الخدمات العلمية