الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الموفية سبعين

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قوله تعالى : { فبلغن أجلهن } والبلوغ هاهنا حقيقة لا مجاز فيها ; لأنه لو كان معناه قاربن البلوغ كما في الآية قبلها لما خرجت به الزوجة عن حكم الزوج في الرجعة ، فلما قال تعالى : { فلا تعضلوهن } تبين أن البلوغ قد وقع في انقضاء العدة ، وأن الزوج قد سقط حقه من الرجعة .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى : { فلا تعضلوهن } العضل يتصرف على وجوه مرجعها إلى المنع ، وهو المراد هاهنا ; فنهى الله تعالى أولياء المرأة من منعها عن نكاح من ترضاه .

                                                                                                                                                                                                              وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها [ ص: 272 ] في مباشرة النكاح ، وإنما هو حق الولي ، خلافا لأبي حنيفة ، ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها .

                                                                                                                                                                                                              وقد صح أن معقل بن يسار كانت له أخت فطلقها زوجها ، فلما انقضت عدتها خطبها ، فأبى معقل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ولو لم يكن له حق لقال الله تعالى لنبيه عليه السلام : لا كلام لمعقل في ذلك . وفي الآية أسئلة كثيرة يقطعها هذا الحديث الصحيح ، خرجه البخاري . فإن قيل : السبب الذي رويتم يبطل نظم الآية ; لأن الولي إذا كان هو المنكح فكيف يقال له : لا تمتنع من فعل نفسك ، وهذا محال . قلنا : ليس كما ذكرتم ، للمرأة حق الطلب للنكاح ، وللولي حق المباشرة للعقد ; فإذا أرادت من يرضى حاله ، وأبى الولي من العقد فقد منعها مرادها ، وهذا بين .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله تعالى : { إذا تراضوا بينهم بالمعروف } يعني إذا كان لها كفؤا ، لأن الصداق في الثيب المالكة أمر نفسها لا حق للولي فيه ، والآية نزلت في ثيب مالكة أمر نفسها ، فدل على أن المعروف المراد بالآية هو الكفاءة ، وفيها حق عظيم للأولياء ، لما في تركها من إدخال العار عليهم ; وذلك إجماع من الأمة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية