الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ( 73 ) فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 74 ) )

يقول تعالى ذكره : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه أوثانا لا تملك لهم رزقا من السماوات ، لأنها لا تقدر على إنزال قطر منها لإحياء موتان الأرضين ، ( والأرض ) : يقول : ولا تملك لهم أيضا رزقا من الأرض لأنها لا تقدر على إخراج شيء من نباتها وثمارها لهم ، ولا شيئا مما عدد تعالى في هذه الآية أنه أنعم بها عليهم ( ولا يستطيعون ) يقول : ولا تملك أوثانهم شيئا من السماوات والأرض ، بل هي وجميع ما في السماوات والأرض لله ملك ، ( ولا يستطيعون ) يقول : ولا تقدر على شيء .

وقوله : ( فلا تضربوا لله الأمثال ) يقول : فلا تمثلوا لله الأمثال ، ولا تشبهوا له الأشباه ، فإنه لا مثل له ولا شبه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

[ ص: 260 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الأمثال الأشباه .

وحدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( فلا تضربوا لله الأمثال ) يعني اتخاذهم الأصنام ، يقول : لا تجعلوا معي إلها غيري ، فإنه لا إله غيري .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ) قال : هذه الأوثان التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضرا ولا نفعا ، ولا حياة ولا نشورا . وقوله : ( فلا تضربوا لله الأمثال ) فإنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ( إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ) يقول : والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه ، وغير ذلك من سائر الأشياء ، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه .

واختلف أهل العربية في الناصب قوله ( شيئا ) فقال بعض البصريين : هو منصوب على البدل من الرزق ، وهو في معنى : لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا . وقال بعض الكوفيين : نصب ( شيئا ) بوقوع الرزق عليه ، كما قال تعالى ذكره ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) أي تكفت الأحياء والأموات ، ومثله قوله تعالى ذكره ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ) قال : ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه ، لا يملك لكم رزق شيء من السماوات ، ومثله ( فجزاء مثل ما قتل من النعم )

التالي السابق


الخدمات العلمية