الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الشهادات

                                                                                                          حدثنا يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبي عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2 - باب ما جاء في الشهادات

                                                                                                          جمع شهادة ، وهي مصدر شهد يشهد ، قال الجوهري : الشهادة خبر قاطع ، والمشاهدة المعاينة ، مأخوذة من الشهود ، أي الحضور ; لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره ، وقيل مأخوذة من الإعلام .

                                                                                                          [ ص: 8 ] 1426 1393 - ( مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ) بفتح العين ( ابن حزم ) بمهملة وزاي ساكنة ، الأنصاري ( عن أبيه ) أبي بكر ، اسمه وكنيته واحد ، وقيل كنيته أبو محمد ، ثقة عابد ( عن عبد الله بن عمرو ) بفتح العين ( ابن عثمان ) الأموي ، يلقب المطراف ، بسكون الطاء المهملة وفتح الراء ، ثقة ، شريف ، تابعي ، مات سنة ست وتسعين . ( عن أبي عمرة الأنصاري ) قال أبو عمر : هكذا رواه يحيى وابن القاسم وأبو مصعب ومصعب الزبيري ، وقال القعنبي ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن ابن أبي عمرة ، وكذا قال ابن وهب وعبد الرزاق عن مالك وسمياه فقالا : عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، فرفعا الإشكال ، وهو الصواب ، وعبد الرحمن هذا من خيار التابعين . اهـ . وما صوبه رواية الأكثر عن مالك كما في الإصابة ، وليس اسم أبي عمرة عبد الرحمن كما زعم بعض ، إنما هو اسم ابنه ، وأما أبوه فقيل اسمه بشر وقيل بشير وقيل عمرو وقيل ثعلبة ، صحابي شهد بدرا وغيرها ، كما بسطه في الإصابة . فعلى رواية الأكثر يكون في الإسناد أربعة تابعيون ، وعلى رواية الأقل فإنما فيه ثلاثة تابعيون وصحابي عن صحابي وهما أبو عمرة ( عن زيد بن خالد الجهني ) بضم الجيم وفتح الهاء ، المدني الصحابي المشهور ، مات بالكوفة سنة ثمان وستين أو سبعين وله خمس وثمانون سنة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا ) بفتح الهمزة وخفة اللام ، حرف افتتاح معناه التنبيه ، فيدل على تحقيق ما بعده وتوكيده ، قال الطيبي : صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانا بعظم المحدث به ( أخبركم بخير الشهداء ) جمع شهيد ، قالوا : أخبرنا ( الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ) بالبناء للمجهول ( أو : يخبر بشهادته قبل أن يسألها ) شك الراوي ، أو ليس بشك وإنما هو تنويع ، أي يأتي الحاكم بشهادته قبل أن يسألها في محض حق الله المستدام تحريمه كطلاق وعتق ووقف ، أو يخبر بها رجلا لا يعلمها وهذا يومي إليه كلام الباجي . وقال ابن عبد البر : قال ابن وهب قال مالك : تفسير هذا الحديث أن الرجل يكون عنده شهادة في الحق لرجل لا يعلمها فيخبره بشهادته ويرفعها إلى السلطان . زاد يحيى بن سعيد : إذا علم أنه ينتفع بها الذي له الشهادة ، وهذا لأن الرجل ربما نسي شاهده فظل مغموما لا يدري من هو ، فإذا أخبره الشاهد بذلك فرج كربه .

                                                                                                          وفي الحديث : " من [ ص: 9 ] نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " . ولا يعارض هذا حديث : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها " . لأن النخعي قال : معنى الشهادة هنا اليمين ، أي يحلف قبل أن يستحلف ، واليمين قد تسمى شهادة ، قال تعالى : ( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) ( سورة النور : الآية 6 ) . اهـ . وقال النووي : في معنى الحديث تأويلان أصحهما حمله على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له وجوبا لأنها أمانة عنده . والثاني : حمله على شهادة الحسبة في غير حقوق الآدميين المختصة بهم ، فمن علم شيئا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة به والشهادة . وحكى ثالث أنه مجاز ومبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله كما يقال : الجواد يعطي قبل السؤال ، أي يعطي سريعا عقب السؤال بلا توقف . قال العلماء : وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذم من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم : " يشهدون ولا يستشهدون " . لحمله على من معه شهادة لآدمي عالم بها فيشهد ولا يستشهد ، أو على من ينتصب شاهدا وليس من أهل الشهادة ، أو على من يشهد لقوم بالجنة أو النار من غير توقيف ، وهذا ضعيف والأصح الأول . اهـ . ووجه ضعفه أن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد ، والشهادة على المغيب مذمومة هبها باستشهاد أو دونه . والحديث رواه مسلم عن يحيى عن مالك به ، وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية